واندفعت أضمها بشدة، ووجدت مقاومتها تشتد هي الأخرى وتعنف.
وأحسست بالمرارة تملأ نفسي، لا لأنها قاومت بشدة ولكن لأن تلك المقاومة وبتلك الدرجة كانت تعني أنها في واد وأنا في واد آخر مختلف تماما. لو كانت تحس بمثل ما أحس به لما قاومتني هكذا، وأنا كنت أقول لنفسي إن ما ينقصها لإظهار عواطفها هو لحظة مناسبة تحين، وها هي اللحظة تأتي فلا أجد سوى المقاومة.
حدث كل شيء بسرعة، وبسرعة أيضا انتهى المشهد. وكنا لا نزال على وقفتنا بجوار «البيك آب»، وكلانا يواجه الآخر ويتحداه، وشعرها مشعث منكوش، واحمرار وجهها يضج بالانفعال والاستنكار. وأنا أنظر إليها نظرات تحفل بالمقت والكراهية وخيبة الأمل، وأكثر من هذا فيضان عارم من الخجل، خجل منها وخجل من نفسي، خجل كان له وقع كاو مؤلم أكاد أصرخ معه وأستغيث.
وقفنا يواجه كلانا الآخر. في وجهها شيء أشبه بالشر المستطير، وفي وجهي ابتسامة باهتة سخيفة كافحت لكي أحتفظ بها حتى تمنع انبثاق كل ما في جوفي من نوايا مستطيرة هي الأخرى. وكل هذا وأنغام رحمانينوف الرقيقة الحالمة لا تزال تتصاعد من «البيك آب» ولا نزال مضطرين لسماعها، والجو ملبد حافل مشحون لا مكان فيه لرحمانينوف.
ظلت سانتي واقفة جامدة للحظات تحدق في ولا تتكلم، وتحديقها يستفزني لدرجة أفكر معها في معاودة الكرة، وخطر شرير يهيب بي أنها تحدق هكذا من أجل أن أعيد الكرة، وجبن غريب يشلني عن أن أفكر مجرد تفكير في المحاولة.
وتحركت فجأة وبحثت عن حقيبتها بسرعة.
وتابعتها بلا مبالاة أول الأمر، ولكن صمتها الذي طال أقلقني، فقلت لها: تريدين طبعا أن أعتذر لك؟
ولم يهمني ما غمغمت به، ولكن كان يحيرني ويخيفني هذا الاستنكار الضخم الذي كان يشع من ملامحها. وكان عقلي مشحونا بافتراضات كثيرة وارتباك أكثر، وهاتف طاغ يهيب بي أن آخذ مقاومتها تلك على أنها مقاومة الأنثى الطبيعية جدا، ولكني أرى وجهها وفيه ذلك الشر الأصفر المستطير فأتردد، وأحس أني مرة أخرى أمام ذلك اللغز الأبدي، المرأة، ذلك الكائن المجهول العقل الذي لا نعرف مهما خمنا ماذا يدور فيه وماذا يريد وماذا يرضيه وماذا يسخطه! المرأة، الحياة وسرها معا، اللغز الحبيب المقيت.
وكانت حركتها هستيرية عصبية. ورغم كل ما كانت فيه من اضطراب واستنكار فقد وقفت أمام مرآة الصالة وأصلحت شعرها.
ولم أدعها تغادر الشقة وحدها.
Halaman tidak diketahui