وكما توقعت جاءت في الغد، جاءت لا كما تعودت أن تجيء؛ إذ كنت أحس قبلا أنها آتية هدفها الوحيد هو الجلوس معي ورؤيتي، تلك المرة أحسست أن مجيئها عندي محطة لا أكثر، مهمة تريد إنهاءها، وازداد ارتباكي. بعد مدة بدأت تتململ وتسأل عن الخطاب، وبدأت أبتسم وأحاول التخابث وأحاول أن أجرها لأحاديث زمان، أو على وجه أدق أحاول أن أجعل لحديثنا طعم الحديث أيام زمان، ولكن بدا وكأن الخطاب هو الشيء الوحيد الذي يشغلها.
وأخيرا أخرج الخطاب وأقرؤه لها، فتظل تنصت وتنصت، لا تبتسم ولا تنفعل، وحين أنتهي تقول بلهجة جادة قليلا: سآخذه، أليس كذلك؟ أين هذا من اندفاعها الصبياني الحبيب وهي تستولي على الخطابات السابقة عنوة وتضعها في حقيبة يدها؟
وبعد الخطاب لم تجد موضوعا للحديث، قالت لي بعد صمت: ألم تر شوقي؟ لم يعد إذن بيننا ما يقال إلا أن يكون شوقي موضوعه.
كنت أتألم وأسكت، أبتلع الألم وأزداد ارتباكا ولا أجد ما أقول، وأحيانا كنت أتطلع لها وأراها، وأرى أنها هي نفسها سانتي القديمة، ولكن وكأن شيئا فيها كان يمت إلي ثم لم يعد يمت إلي، إحساس ربما بأني أنا قد أصبحت غريبا عنها مع أنها باقية قريبة جدا إلي.
بعدما أظلمت الدنيا بكثير قامت لتعود. قلت لها: أوصلك؟ ويبدو أن لم يكن لديها ما تفعله؛ فقد وافقت، وكانت موافقتها مجرد استسلام لرغبتي وإحساسي.
وفجأة ونحن في طريقنا إلى الباب وقفت أمامها في الصالة، وحدقت فيها طويلا.
وقالت لي بنفس طريقتها الآسرة في نطق اسمي: يحيى، ماذا حدث ؟
قلت: سانتي.
وأحسست أني أريد أن أنكفئ على الأرض وأظل أبكي حتى أختنق.
قلت: بودي لو تعرفي كم أحبك؟
Halaman tidak diketahui