ـ[بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام]ـ
المؤلف: علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، أبو الحسن ابن القطان (المتوفى: ٦٢٨هـ)
المحقق: د. الحسين آيت سعيد
الناشر: دار طيبة - الرياض
الطبعة: الأولى، ١٤١٨هـ-١٩٩٧م
عدد الأجزاء: ٦ (٥ أجزاء، ومجلد فهارس)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Halaman tidak diketahui
مُقَدّمَة المُصَنّف
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ الشَّيْخ، الْفَقِيه، الْمُحدث، الْعَالم، الأوحد، أَبُو الْحسن: عَليّ بن الشَّيْخ، الْفَقِيه، المرحوم أبي عبد الله، مُحَمَّد بن عبد الْملك بن يحيى الْمَعْرُوف بِابْن الْقطَّان ﵀ وَرَضي عَنهُ -:
الْحَمد لله كَمَا يحِق لَهُ وَيجب، وَالصَّلَاة وَالتَّسْلِيم على مُحَمَّد نبيه الْمُصْطَفى الْمُنْتَخب.
وَبعد: فَإِن أَبَا مُحَمَّد عبد الْحق بن عبد الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ، ثمَّ الإشبيلي - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - قد خلد فِي كِتَابه الَّذِي جمع فِيهِ أَحَادِيث [أَحْكَام] أَفعَال الْمُكَلّفين علما نَافِعًا، وَأَجرا قَائِما، زكا بِهِ عمله، ونجح فِيهِ سَعْيه، وَظهر عَلَيْهِ مَا صلح فِيهِ من نِيَّته، وَصَحَّ من طويته فَلذَلِك شاع الْكتاب الْمَذْكُور وانتشر، وتلقي بِالْقبُولِ، وَحقّ لَهُ ذَلِك، لجودة تصنيفه، وبراعة تأليفه واقتصاده وجودة اخْتِيَاره، فَلَقَد أحسن فِيهِ مَا شَاءَ وأبدع فَوق مَا أَرَادَ، وأربى على الْغَايَة وَزَاد، وَدلّ مِنْهُ على حفظ وإتقان، وَعلم، وَفهم، واطلاع، واتساع، فَلذَلِك لَا تَجِد أحدا ينتمي إِلَى نوع من أَنْوَاع الْعُلُوم
2 / 7
الشَّرْعِيَّة، إِلَّا وَالْكتاب الْمَذْكُور عِنْده، أَو نَفسه مُتَعَلقَة بِهِ.
قد حداهم حسن تأليفه إِلَى الإكباب عَلَيْهِ وإيثاره وخاصة من لَا يُشَارك فِي طلبه بِشَيْء من النّظر فِي علم الحَدِيث، من فُقَهَاء، ومتكلمين، وأصوليين، فَإِنَّهُم الَّذين قد قنعوا بِهِ، وَلم يَبْتَغُوا سواهُ، حَتَّى لربما جر عَلَيْهِم جهالات:
[منهاٍ] اعْتِقَاد أحدهم أَنه لَو نظر فِي كتب الحَدِيث نظر أَهله، فرواها وتفقد أسانيدها، وتعرف أَحْوَال رواتها فَعلم بذلك صِحَة الصَّحِيح، وسقم السقيم وَحسن الْحسن، فَاتَهُ كثير مِمَّا احتوى عَلَيْهِ الْكتاب الْمَذْكُور من مشتت الْأَحَادِيث، الَّتِي لَا يحتوي عَلَيْهَا إِلَّا مَا يتَعَذَّر على الْأَكْثَر من النَّاس جمعه.
وَهَذَا مِمَّن اعتقده غلط، بل إتقان كتاب من كتب الحَدِيث، وتعرفه كَمَا يجب، يحصل لَهُ أَكثر مِمَّا يحصل لَهُ الْكتاب الْمَذْكُور من صناعَة النَّقْل فَإِنَّهُ مَا من حَدِيث يبْحَث عَنهُ حق الْبَحْث، إِلَّا ويجتمع لَهُ من أَطْرَافه - وَضم مَا فِي مَعْنَاهُ إِلَيْهِ، والتنبه لما يُعَارضهُ فِي جَمِيع مَا يَقْتَضِيهِ أَو بعضه، أَو مَا يعاضده وَمَعْرِفَة أَحْوَال نقلته وتواريخهم - مَا يفتح لَهُ فِي الْألف من الْأَحَادِيث.
وَكَذَلِكَ يجر عَلَيْهِم أَيْضا اعْتِقَاد أَن مَا ذكره من عِنْد البُخَارِيّ مثلا لَا بُد فِيهِ من البُخَارِيّ وَمَا علم أَنه رُبمَا يكون عِنْد جَمِيعهم، وَمَا ذكره من عِنْد أبي دَاوُد،
2 / 8
رُبمَا لَيْسَ هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ، أَو النَّسَائِيّ، وَلذَلِك ذكره من عِنْد أبي دَاوُد وَمَا علم أَنه رُبمَا لم يخل مِنْهُ كتاب [أَيْضا] .
وَكَذَلِكَ [أَيْضا] / يجر عَلَيْهِم تَحْصِيل الْأَحَادِيث مشتتة غَايَة التشتت بِحَيْثُ يتَعَرَّض للغلط فِي نسبتها إِلَى موَاضعهَا بِأَدْنَى غيبَة عَنْهَا وَلذَلِك مَا ترى المشتغلين بِهِ، الآخذين أنفسهم بحفظه، ينسبون إِلَى مُسلم مَا لَيْسَ عِنْده أَو إِلَى غَيره مَا لم يذكر كَذَلِك، وَرُبمَا شعر أحدهم بِأَنَّهُ بذلك مُدَلّس كتدليس من يروي مَا لم يسمع عَمَّن قد روى عَنهُ، من حَيْثُ يُوهم قَوْله: ذكر مُسلم أَو البُخَارِيّ كَذَا، أَنه قد رأى ذَلِك فِي مَوْضِعه، وَنَقله من حَيْثُ ذكر، فيتحرج من ذَلِك أحدهم فيحوجه ذَلِك إِلَى أَن يَقُول ذكره عبد الْحق، فَيحصل من ذَلِك فِي مثل مَا يحصل فِيهِ من يذكر من النَّحْو مَسْأَلَة وَهِي فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ فَيَقُول: ذكرهَا الْمَهْدَوِيّ فِي التَّحْصِيل أَو مكي فِي الْهِدَايَة أَو يذكر مَسْأَلَة من الْفِقْه، هِيَ فِي أُمَّهَات كتبه، فينسبها إِلَى متأخري الناقلين مِنْهَا بِخِلَاف مَا يتَحَصَّل الْأَمر عَلَيْهِ فِي نفس قَارِئ كتاب مُسلم، أَو أَبى دَاوُد مثلا، فَإِنَّهُ يعلم الْأَبْوَاب مرتبَة مصنفة، وأطرافها من غَيره وَمَا عَلَيْهَا من زيادات، أَو معارضات، أَو معاضدات، مرتبَة عَلَيْهَا فِي
2 / 9
خاطره بِحَيْثُ لَا يخْتل وَلَا يتثبج إِلَّا فِي الندرة.
وَالَّذِي يحصل من علم صِحَة هَذَا الَّذِي وصفناه للمزاول، أَكثر وَأبين مِمَّا وَصفنَا مِنْهُ، فالكتاب الْمَذْكُور من حَيْثُ حسنه وَكَثْرَة مَا فِيهِ، قد جر الْإِعْرَاض عَن النّظر الصَّحِيح، وَالتَّرْتِيب الأولى، من تَحْصِيل الشَّيْء من معدنه، وَأَخذه من حَيْثُ أَخذه هُوَ وَغَيره.
هَذَا على تَقْدِير سَلَامَته من اختلال نقل، أَو إغفال، أَو خطأ، فِي نظر أهل هَذَا الشَّأْن.
فَأَما وَالْأَمر على هَذَا، فقد يجب أَن / يكون نظر من يَقْرَؤُهُ وبحثه أَكثر وأكبر من بحث من يقْرَأ أصلا من الْأُصُول، لَا كَمَا يصنعه كثير مِمَّن أكب عَلَيْهِ: من اعتمادهم على مَا نقل، وتقليدهم إِيَّاه فِيمَا رأى وَذهب إِلَيْهِ من تَصْحِيح أَو تسقيم، وَقد يعمم بَعضهم هَذِه الْقَضِيَّة فِي جَمِيع نظر الْمُحدث، وَيَقُول: إِنَّه كُله تَقْلِيد، وَإِن غَايَة مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ النَّاظر بنظرهم تَقْلِيد معدل أَو مجرح، فَهُوَ كتقليد مصحح أَو مضعف للْحَدِيث.
وَهَذَا مِمَّن يَقُوله خطأ بل يَنْتَهِي الْأَمر بالمحدث إِلَى مَا هُوَ الْحق من قبُول الرِّوَايَة ورد الرَّأْي فَهُوَ لَا يُقَلّد من صحّح وَلَا من ضعف، كَمَا لَا يُقَلّد من حرم وَلَا من حلل، فَإِنَّهَا فِي العلمين مسَائِل مجتهدة، لكنه يقبل من رِوَايَة
2 / 10
الْعدْل النَّاقِل لَهُ من أَحْوَال من روى عَنهُ الحَدِيث، مَا يحصل عِنْده الثِّقَة بنقله، أَو عكس ذَلِك.
ونقلهم لذَلِك إِمَّا مفصلا وَإِمَّا مُجملا، بِلَفْظ مصطلح عَلَيْهِ، كألفاظ التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح، فَإِنَّهُم قد تواضعوا عَلَيْهَا بَدَلا من التطوف على جزئيات الْأَحْوَال، وتأديتها على التَّفْصِيل.
فَكَمَا كَانَ يحصل لنا من نقل الْعدْل إِذا قَالَ لنا: إِن فلَانا كَانَ ورعًا، حَافِظًا، فهما، عَالما، أَن فلَانا الْمَذْكُور مَقْبُول الرِّوَايَة، مُرَجّح جَانب صدقه على جَانب كذبه، فَكَذَلِك يحصل لنا ذَلِك، إِذا قَالَ لفظا من الْأَلْفَاظ المصطلح عَلَيْهَا.
ولبيان هَذَا الْمَعْنى والانفصال عَمَّا يتَعَرَّض بِهِ عَلَيْهِ موَاضعه.
وَلما كَانَ / الْحَال على مَا وصفت - من احتواء الْكتاب الْمَذْكُور على مَا لَا يعْصم مِنْهُ أحد، وَلَا سِيمَا من جمع جمعه، وَأكْثر إكثاره، وَكفى الْمَرْء نبْلًا أَن تعد معايبه - تجردت لذكر المعثور عَلَيْهِ من ذَلِك، فَذَكرته مُفِيدا بِهِ وممثلا لما لم أعثر عَلَيْهِ من نَوعه، إِذْ الْإِحَاطَة متعذرة.
وانحصر لي ذَلِك فِي أَمريْن: وهما نَقله وَنَظره، أما نَقله فأبواب، مِنْهَا:
١ - بَاب ذكر الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد.
2 / 11
٢ - بَاب ذكر النَّقْص من الْأَسَانِيد.
٣ - بَاب نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها.
٤ - بَاب ذكر أَحَادِيث، يوردها من مَوضِع عَن راو، ثمَّ يردفها زِيَادَة أَو حَدِيثا، من مَوضِع آخر، موهما أَنَّهَا عَن ذَلِك الرَّاوِي، أَو بذلك الْإِسْنَاد، أَو فِي تِلْكَ الْقِصَّة، أَو فِي ذَلِك الْموضع، وَلَيْسَ كَذَلِك.
٥ - بَاب ذكر أَحَادِيث، يظنّ من عطفها على أخر، أَو إردافها إِيَّاهَا أَنَّهَا مثلهَا فِي مقتضياتها، وَلَيْسَت كَذَلِك.
٦ - بَاب أَشْيَاء مفترقة تَغَيَّرت فِي نَقله أَو بعده عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ.
٧ - بَاب / ذكر رُوَاة تَغَيَّرت أَسمَاؤُهُم، أَو أنسابهم، عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ.
٨ - بَاب ذكر أَحَادِيث أوردهَا وَلم أجد لَهَا ذكرا، أَو عزاها إِلَى مَوَاضِع لَيست هِيَ فِيهَا، أَو لَيست كَمَا ذكر.
٩ - بَاب ذكر أَحَادِيث أوردهَا على أَنَّهَا مَرْفُوعَة، وَهِي مَوْقُوفَة أَو مَشْكُوك فِي رَفعهَا.
١٠ - بَاب ذكر مَا جَاءَ مَوْقُوفا، وَهُوَ فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ مَرْفُوع.
١١ - بَاب ذكر أَحَادِيث أغفل نسبتها إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي أخرجهَا مِنْهَا.
١٢ - بَاب ذكر أَحَادِيث أبعد النجعة فِي إيرادها، ومتناولها أقرب وَأشهر.
وَهَا هُنَا انْتهى الْقسم الأول الرَّاجِع إِلَى نَقله، فَإِن جَمِيع هَذِه الْأَبْوَاب
2 / 12
أَوْهَام، إِمَّا مِنْهُ، وَإِمَّا مِمَّن بعده.
فَأَما مَا يرجع إِلَى نظره فَمِنْهُ:
١ - بَاب ذكر أَحَادِيث، أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة، أَو مَشْكُوك فِي اتصالها.
٢ - بَاب ذكر أَحَادِيث ردهَا بالانقطاع وَهِي مُتَّصِلَة.
٣ - بَاب ذكر أَحَادِيث، ذكرهَا على أَنَّهَا مُرْسلَة لَا عيب لَهَا سوى الْإِرْسَال، وَهِي معتلة بِغَيْرِهِ، وَلم يبين ذَلِك مِنْهَا.
٤ - بَاب ذكر أَحَادِيث أعلها بِرِجَال، وفيهَا من هُوَ مثلهم، أَو أَضْعَف، أَو مَجْهُول لَا يعرف. ٥ - بَاب ذكر أَحَادِيث أعلها بِمَا لَيْسَ بعلة، وَترك ذكر عللها.
٦ - بَاب ذكر أَحَادِيث، أعلها وَلم يبين من أسانيدها مَوَاضِع الْعِلَل.
٧ - بَاب ذكر أَحَادِيث سكت عَنْهَا مصححا لَهَا، وَلَيْسَت بصحيحة.
٨ - بَاب ذكر أَحَادِيث سكت عَنْهَا، وَقد ذكر أسانيدها أَو قطعا مِنْهَا، وَلم يبين من أمرهَا شَيْئا.
٩ - بَاب ذكر أَحَادِيث، أتبعهَا مِنْهُ كلَاما يقْضى ظَاهره بتصحيحها، وَلَيْسَت بصحيحة.
١٠ - بَاب ذكر أَحَادِيث، أتبعهَا مِنْهُ كلَاما لَا يبين مِنْهُ مذْهبه فِيهَا، فنبين أحوالها، من صِحَة، أَو سقم، أَو حسن.
١١ - بَاب ذكر أَحَادِيث أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة أَو حَسَنَة، وَهِي ضَعِيفَة من تِلْكَ الطّرق، صَحِيحَة أَو حَسَنَة من غَيرهَا /.
2 / 13
١٢ - بَاب ذكر أَحَادِيث ضعفها من الطّرق الَّتِي أوردهَا مِنْهَا وَهِي ضَعِيفَة مِنْهَا، صَحِيحَة أَو حَسَنَة من طرق أخر.
١٣ - بَاب ذكر أَحَادِيث ضعفها، وَهِي صَحِيحَة أَو حَسَنَة، وَمَا أعلها بِهِ لَيْسَ بعلة. ١٤ - بَاب ذكر أَحَادِيث ضعفها، وَلم يبين بِمَاذَا؟ وضعفها إِنَّمَا هُوَ الِانْقِطَاع أَو / توهمه.
١٥ - بَاب ذكر أُمُور جميلَة من أَحْوَال رجال يجب اعْتِبَارهَا، فأغفل ذَلِك أَو تنَاقض فِيهِ.
١٦ - بَاب ذكر رجال لم يعرفهُمْ، وهم ثِقَات، أَو ضِعَاف، أَو مُخْتَلف فيهم.
١٧ - بَاب ذكر أَحَادِيث، عرف بِبَعْض رواتها، فَأَخْطَأَ فِي التَّعْرِيف بهم.
١٨ - بَاب ذكر رجال ضعفهم بِمَا لَا يسْتَحقُّونَ، وَأَشْيَاء ذكرهَا من غَيره محتاجة إِلَى التعقب.
١٩ - بَاب ذكر أَحَادِيث، أغفل مِنْهَا زيادات مفسرة، أَو مكملة، أَو متممة.
٢٠ - بَاب ذكر المصنفين الَّذين أخرج عَنْهُم فِي كِتَابه مَا أخرج: من حَدِيث، أَو تَعْلِيل، أَو تجريح، أَو تَعْدِيل.
٢١ - بَاب ذكر مضمن هَذَا الْكتاب على نسق التصنيف.
فَهَذَا هُوَ الْقسم الرَّاجِع إِلَى نظره، مَا عدا الْبَابَيْنِ الْأَخيرينِ.
فَجَمِيع هَذَا الْقسم، إِيهَام مِنْهُ لصِحَّة سقيم، أَو لسقم صَحِيح، أَو
2 / 14
لاتصال مُنْقَطع، أَو لانْقِطَاع مُتَّصِل، أَو لرفع مَوْقُوف، أَو لوقف مَرْفُوع، أَو لثقة ضَعِيف، أَو لضعف ثِقَة، أَو لتيقن مَشْكُوك، أَو لتشكك فِي مستيقن، إِلَى غير ذَلِك من مضمنه، وَبِاعْتِبَار هذَيْن الْقسمَيْنِ من الأوهام والإيهامات سميناه:
كتاب بَيَان الْوَهم وَالْإِيهَام، الواقعين فِي كتاب الْأَحْكَام.
وَالْبَاب الَّذِي هُوَ لذكر الزِّيَادَة المفسرة، أَو المكملة، هُوَ بَاب يَتَّسِع وَيكثر مضمنه، وَلم نقصده بِالْجمعِ، فَالَّذِي ذكرنَا فِيهِ إِنَّمَا هُوَ المتيسر ذكره، ولعلنا نعثر مِنْهُ على أَكثر من ذَلِك بعد أَن شَاءَ الله.
وَقد كنت شرعت فِي بَاب أذكر فِيهِ مَا ترك ذكره من الْأَحَادِيث الصِّحَاح، المفيدة أحكامًا لأفعال الْمُكَلّفين - لست أَعنِي مَا ترك من حسن أَو ضَعِيف، فَإِن هَذَا قد اعْترف هُوَ بِالْعَجزِ عَنهُ، وَهُوَ فَوق مَا ذكر، بل من قسم الصَّحِيح.
فرأيته أمرا يكثر ويتعذر الْإِحَاطَة بِهِ وَرَأَيْت مِنْهُ أَيْضا كثيرا لَا أَشك فِي أَنه تَركه قصدا، بعد الْعلم بِهِ وَالْوُقُوف عَلَيْهِ، وَعلمت ذَلِك إِمَّا بِأَن رَأَيْته قد كتبه فِي كِتَابه الْكَبِير، الَّذِي يذكر فِيهِ الْأَحَادِيث بأسانيدها، الَّذِي مِنْهُ اختصر هَذَا، وَإِمَّا بِأَن يكون مَذْكُورا فِي بَاب وَاحِد من مُصَنف، أَو فِي حَدِيث صَحَابِيّ وَاحِد من مُسْند، مَعَ مَا ذكر هُنَا.
فَعلمت أَنه ترك ذَلِك قصدا، خطأ أَو صَوَابا، فَأَعْرَضت عَن هَذَا الْمَعْنى، وَهُوَ أَيْضا إِذا تعرض لَهُ لَا يصلح أَن يكون فِي بَاب من كتاب، بل ديوانا قَائِما بِنَفسِهِ، يتَجَنَّب فِيهِ مَا ذكره هُوَ فَقَط.
2 / 15
وَقد يظنّ ظان أَن كتَابنَا هَذَا، مَقْصُور الإفادة على من لَهُ بِكِتَاب أبي مُحَمَّد عبد الْحق اعتناء، فَذَلِك الَّذِي يَسْتَفِيد مِنْهُ إصْلَاح خلل، أَو تَنْبِيها / على مُغفل.
وَهَذَا الظَّن مِمَّن يَظُنّهُ خطأ، بل لَو كَانَ كتَابنَا قَائِما بِنَفسِهِ، غير مشير إِلَى كتاب أبي مُحَمَّد الْمَذْكُور، كَانَ - بِمَا فِيهِ من التَّنْبِيه على نكت حَدِيثِيَّةٌ، خلت عَنْهَا وَعَن أَمْثَالهَا الْكتب، وتعريف بِرِجَال يعز وجودهم، ويتعذر الْوُقُوف على الْموضع الَّذِي استفدنا أَحْوَالهم مِنْهَا، وَأَحَادِيث أفدنا فَوَائِد فِي متونها أَو فِي أسانيدها، وَعلل نبهنا عَلَيْهَا، وأصول أَشَرنَا إِلَيْهَا - أفيد كتاب، وَأعظم ثَمَرَة تجتنى.
وَمن لَهُ بِهَذَا الشَّأْن اعتناء، يعرف صِحَة مَا قُلْنَاهُ، وَقد كَاد يكون مِمَّا لم نسبق إِلَى مثله فِي الصِّنَاعَة الحديثية، وترتيب النّظر فِيهَا، الْمُسْتَفَاد بطول الْبَحْث، وَكَثْرَة المباحثة، والمناظرة، والمفاوضة، وَشدَّة الاعتناء، وَوُجُود الْكتب المتعذر وجودهَا على غَيرنَا، مِمَّا تيَسّر الإنعام بِهِ من الله سُبْحَانَهُ علينا، لَهُ الْحَمد وَالشُّكْر. فَلَيْسَ فِي كتاب أبي مُحَمَّد: عبد الْحق حَدِيث إِلَّا وقفت عَلَيْهِ فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، بل وَفِي مَوَاضِع لم يرهَا هُوَ قطّ، بل لَعَلَّه مَا سمع بهَا، إِلَّا أَحَادِيث يسيرَة جدا، لم أَقف عَلَيْهَا فِي موَاضعهَا، وَلم آل جهدًا، وَلَا أَدعِي سَلامَة من الْخَطَأ، لكني أتيت بالمستطاع، فَإِن أصبت فأرجو تَضْعِيف الْأجر، وَالله يعْفُو عَن الزلل، ويتفضل بإجزال ثَوَاب بذل المجهود، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِهِ، وَهَذَا حِين أبتدئ مستعينًا بِاللَّه سُبْحَانَهُ.
2 / 16
الْقسم الأول بَيَان الْوَهم
وَهُوَ مَا يرجع إِلَى نقل أبي مُحَمَّد عبد الْحق.
2 / 17
(١) بَاب ذكر الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد
2 / 19
(١) ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن بشير بن خَلاد، عَن أمه، قَالَت: دخلت على مُحَمَّد بن كَعْب، فَسَمعته يَقُول: حَدثنِي أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ َ - " توسطوا الإِمَام وسدوا الْخلَل " ... الحَدِيث.
كَذَا وَقع، وَهُوَ خطأ، وَلَعَلَّه تغير بعده، وَهُوَ هَكَذَا يزْدَاد بِهِ فِي الْإِسْنَاد من لَيْسَ مِنْهُ، وَصَوَابه / عَن يحيى بن بشير بن خَلاد، عَن أمه.
كَذَا هُوَ فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، وَقد بَقِي أَن نبين عِلّة الْخَبَر، وسنذكرها فِي موضعهَا إِن شَاءَ الله.
(٢) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث عَطاء بن أبي مَيْمُونَة - وكنيته أَبُو معَاذ - قَالَ: حَدثنَا أبي، وَحَفْص الْمنْقري، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة، أَن
2 / 21
رَسُول الله ﷺ َ -: " كَانَ يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه ".
ثمَّ قَالَ: عَطاء هَذَا ضَعِيف، مَعْرُوف بِالْقدرِ، مَعَ كَلَامه فِي سَماع الْحسن من سَمُرَة، انْتهى كَلَامه.
وَعَلِيهِ فِيهِ أَدْرَاك: مِنْهَا أَنه جعله من حَدِيث عَطاء بن أبي مَيْمُونَة، عَن أَبِيه وَحَفْص. وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة روح بن عَطاء، قَالَ: حَدثنِي ابي وَحَفْص الْمنْقري.
فَلَيْسَ عَطاء على هَذَا بعلة لَهُ، لِأَنَّهُ مقرون بحفص الْمنْقري.
وَحَفْص هُوَ ابْن سُلَيْمَان لَا بَأْس بِهِ من قدماء أَصْحَاب الْحسن، وروى عَنهُ حَمَّاد بن زيد، وَمعمر، وَنَحْوهمَا.
فإعلال أبي مُحَمَّد هَذَا الْخَبَر بعطاء، خطأ، وَهُوَ بِنَاء مِنْهُ على خطأ فِي جعله إِيَّاه من رِوَايَة عَطاء عَن أَبِيه وَحَفْص.
وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة روح عَن أَبِيه وَحَفْص /.
وعلته إِنَّمَا هِيَ ضعف روح بن عَطاء، ووالد عَطاء لَا مدْخل لَهُ فِي إِسْنَاده.
وَذكره أَبُو أَحْمد فِي بَاب روح، وَفِي بَاب عَطاء، فنقله أَبُو مُحَمَّد من بَاب عَطاء، وَهُوَ فِيهِ مُخْتَصر، وَهُوَ فِي بَاب روح بكامله.
وَمن هَاهُنَا يتَبَيَّن عَلَيْهِ فِي سوقه إِيَّاه دَرك ثَان، نذكرهُ هُنَا وَإِن لم يكن من
2 / 22
هَذَا الْبَاب ليجتمع الْكَلَام على الحَدِيث.
قَالَ أَبُو أَحْمد فِي بَاب عَطاء: أخبرنَا السَّاجِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو كَامِل الجحدري، قَالَ: حَدثنَا روح بن عَطاء بن أبي مَيْمُونَة، قَالَ: حَدثنَا أبي وَحَفْص الْمنْقري، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة أَن رَسُول الله ﷺ َ - " كَانَ يسلم تَسْلِيمَة تِلْقَاء وَجهه "
هَذَا نَصه، وعَلى هَذَا صَحَّ لأبي مُحَمَّد أَن يدْخلهُ فِي جملَة الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا الِاقْتِصَار على تَسْلِيمَة وَاحِدَة، وَلَا سِيمَا بِمَا زَاد فِي لَفظه من قَوْله: " وَاحِدَة " وَلَيْسَ ذَلِك فِي كتاب أبي أَحْمد الَّذِي مِنْهُ نَقله.
وَقَالَ فِي بَاب روح: حَدثنَا حَمْزَة بن مُحَمَّد قَالَ: وَحدثنَا نعيم بن حَمَّاد قَالَ: حَدثنَا روح بن عَطاء بن أبي مَيْمُونَة، عَن أَبِيه، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة قَالَ: " كَانَ رَسُول الله ﷺ َ - يسلم فِي الصَّلَاة تَسْلِيمَة قبالة وَجهه، فَإِذا سلم عَن يَمِينه سلم عَن يسَاره ".
فَفِي هَذَا - كَمَا ترى - ثَلَاث تسليمات.
وَإِلَى هَذَا فَإِنَّهُ قد تنَاقض فِي عَطاء بن أبي مَيْمُونَة، فَسكت عَمَّا هُوَ من رِوَايَته مصححًا لَهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَته.
(٣) وَذَلِكَ حَدِيث أنس " مَا رَأَيْت رَسُول الله ﷺ َ - رفع إِلَيْهِ شَيْء فِيهِ
2 / 23
قصاص إِلَّا أَمر فِيهِ بِالْعَفو ".
فَهَذَا دَرك ثَالِث فَاعْلَم ذَلِك.
(٤) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الله بن كنَانَة، قَالَ: أَرْسلنِي الْوَلِيد ابْن عتبَة - وَكَانَ أَمِير الْمَدِينَة - إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن صَلَاة رَسُول الله ﷺ َ - فِي الاسْتِسْقَاء، فَقَالَ: " خرج رَسُول الله ﷺ َ - متبذلا متواضعًا، متضرعا " الحَدِيث.
كَذَا أوردهُ، وَهُوَ خطأ فَاحش، يزْدَاد بِهِ فِي الْإِسْنَاد من لَيْسَ مِنْهُ، بل فِي الروَاة من لَيْسَ مِنْهُم، وَهَذَا يدل على تسامحه فِي إِيرَاد أَحَادِيث لَا يعرف بعض رجالها، ويسكت عَنْهَا مصححا لَهَا.
وسأريك من هَذَا كثيرا فِي بَابه إِن شَاءَ الله.
وَبَيَان الْخَطَأ فِي هَذَا، هُوَ أَن عبد الله بن كنَانَة، لَيْسَ من رُوَاة الْأَخْبَار وَلَا مِمَّن تعرف لَهُ حَال.
2 / 24
وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ من رِوَايَته، وَإِنَّمَا سَاقه أَبُو دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا النُّفَيْلِي، وَعُثْمَان بن أبي شيبَة، قَالَا: حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن إِسْحَاق بن عبد الله بن كنَانَة، قَالَ: حَدثنَا أبي قَالَ: أَرْسلنِي الْوَلِيد ابْن عتبَة إِلَى ابْن عَبَّاس، فَذكر الحَدِيث.
فعبد الله جد هِشَام - وَهُوَ عبد الله بن الْحَارِث بن كنَانَة - لَا مدْخل لَهُ فِي هَذَا الْإِسْنَاد، إِنَّمَا صَاحب الْقِصَّة الْمُرْسل فِيهَا إِلَى ابْن عَبَّاس، ابْنه إِسْحَاق بن عبد الله بن كنَانَة، وَهُوَ مدنِي ثِقَة.
وَابْنه هِشَام بن إِسْحَاق، هُوَ أَخُو عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، يروي عَنهُ الثَّوْريّ، وحاتم بن إِسْمَاعِيل، وَهُوَ من الشُّيُوخ.
والقصة مَعْرُوفَة هَكَذَا عِنْد غير أبي دَاوُد أَيْضا، من رِوَايَة غير حَاتِم بن إِسْمَاعِيل.
(٥) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن الْحسن بن عبد الرَّحْمَن القَاضِي.
الْأَنْطَاكِي قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْحَارِث اللَّيْث بن عَبدة، قَالَ: حَدثنَا.
2 / 25
عبد الله بن يُوسُف، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن ربيعَة بن هِشَام بن إِسْحَاق، من بني عَامر بن لؤَي أَنه سمع / جده هِشَام بن إِسْحَاق، يحدث عَن أَبِيه إِسْحَاق ابْن عبد الله، أَن الْوَلِيد بن عتبَة أَمِير الْمَدِينَة أرْسلهُ إِلَى ابْن عَبَّاس، الحَدِيث.
(٦) رَوَاهُ أَيْضا يحيى بن عُثْمَان بن صَالح، عَن عبد الله بن يُوسُف كَذَلِك وَرَوَاهُ أَيْضا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن هِشَام بن إِسْحَاق بن عبد الله بن كنَانَة، عَن أَبِيه قَالَ /: أَرْسلنِي أَمِير من الْأُمَرَاء إِلَى ابْن عَبَّاس، أسأله عَن الاسْتِسْقَاء، الحَدِيث.
وَيَكْفِي فِي هَذَا أَن الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، هُوَ فِيهِ على مَا ذكرت لَك من الصَّوَاب، لَا على مَا ذكر من الْخَطَأ.
وَقد أتبع هَذَا خطأ آخر، اعْتقد بِهِ فِي قصَّة أُخْرَى أَنَّهَا هَذِه، سأذكرها فِي جملَة الْأَحَادِيث الَّتِي عطفها على أخر، أَو أردفها إِيَّاهَا وَلَيْسَت عَن رَاوِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى -.
2 / 26
(٧) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن أم كَبْشَة أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي آلَيْت أَن أَطُوف بِالْبَيْتِ حبوًا، فَقَالَ رَسُول الله ﷺ َ - " طوفي على رجليك سبعين " الحَدِيث.
وَهُوَ خطأ فِي موضِعين:
أَحدهمَا: قَوْله: عَن أم كَبْشَة - هَكَذَا بالكنية - وَإِنَّمَا صَوَابه: أمه كَبْشَة، فَإِنَّهَا كَبْشَة بنت معدي كرب عمَّة الْأَشْعَث بن قيس، أم مُعَاوِيَة بن حديج.
وَالْآخر: أَنه جعل الحَدِيث عَنْهَا، وَجعلهَا راوية للْخَبَر، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فِيهِ عِنْد من نَقله من عِنْده، وَهُوَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَإِنَّمَا أوردهُ عَن مُعَاوِيَة بن حديج، أَنه قدم على رَسُول الله ﷺ َ -، وَمَعَهُ أمه كَبْشَة بنت معدي كرب، عمَّة الْأَشْعَث بن قيس، فَقَالَت أمه: يَا رَسُول الله ﷺ َ - إِنِّي أليت. الحَدِيث.
هَكَذَا هُوَ، لَيْسَ فِيهِ " عَنْهَا " فَجعل الحَدِيث عَنْهَا، زِيَادَة راو فِي الْإِسْنَاد، والْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة ابْنهَا عَن النَّبِي ﷺ َ -، والْحَدِيث فِي غَايَة الضعْف بالضعفاء والمجاهيل، فَاعْلَم ذَلِك.
(٨) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن سبيعة الأسْلَمِيَّة، أَنَّهَا نفست بعد
2 / 27