Bayan Fi Injliz Wa Afghan
البيان في الإنجليز والأفغان
Genre-genre
ونعود فنقول: إن من الواضح أن هؤلاء القوم الإنجليز إذا لم يكونوا قد وطنوا أنفسهم على الانفراد بالمنافع التي عند الغير، وانحطوا بأنفسهم إلى أخذ ما ليس لهم، لما أمكن ظهور مثل هذا التحالف بين شيع تعتنق آراء شديدة التعارض، وهي شيع كان يمكن، في ظروف غير هذه، أن تفرح الواحدة بالشرب من دم الأخرى.
مقارنة بين الإنجليز والأمم الأخرى
ما أبعد المسافة بين هذه السياسة وسياسة الروس الذين يعدهم الإنجليز متخلفين بلا حدود، وجماعة من المتوحشين والهمج! فحكومة هؤلاء الروس لم تحتل بلدا إسلاميا واحدا، ولا تحكمت في قبيلة من قبائله، مثل: داغستان، أو قازان، أو القوقاز، أو القرغز، أو طشقند، أو قوقند، أو سمرقند، أو جزخ، أو بني قورفان، أو قرقول، أو خيوة، أو عرانجي، حيث لم تنجح في اجتذاب حب الناس، ولكنها قامت بترقية الكثيرين منهم إلى المناصب العالية، واختارت من بينهم قوادا وضباطا للجيش.
أما في الهند فلا تجد أحدا رقي إلى مثل هذه المناصب ولا إلى وظائف أقل منها، ناهيك عن ضخامة عدد الناس، وتحكم السلطة البريطانية فيهم. ومن ثمة فأنت في البلاد المختلفة التي عددناها لا تلقى أحدا ساخطا، ولا أحدا شاكرا للحكم الروسي، بل لن تجد فارسيا واحدا لا يميل إلى الروس ويثني عليهم أكثر من الإنجليز، مع أن الروس ارتكبوا أعمالا شريرة في حق الفرس في الماضي، حين استولوا على جانب كبير من أراضيهم، في حين لم يرتكب الإنجليز شيئا من ذلك، بل إن الصحف الإنجليزية تقول: إن الفرس هم الذين هيجوا الأفغان على الإنجليز.
بل ما أبعد الفرق بين سياسة الإنجليز وسياسة الفرنسيين في الجزائر! فأهل ذلك البلد أكثر رضا وسعادة - بغير حدود - من أهل الهند، وكيف لا يصح ذلك إذا تأملنا في اختلاف الطريقة التي يعاملون بها؟ لقد دعوا هذا العام - الفرنسيون - مشايخهم إلى المعرض، وعند وصولهم قدم لهم كبار مسئولي الدولة ألوانا بهيجة من الترفيه، وأجلسوهم جميعا حسب رتبهم ومكانتهم، وأظهروا لهم أيضا ألوانا أخرى من الاهتمام، فرطبوا قلوبهم، ثم طلبوا منهم بعد ذلك أن يرسلوا ممثلين لهم في الجمعية الوطنية «البرلمان»، حتى يساهموا في تحقيق المزايا التي تحقق لجنسهم.
والحق أن الأمة الفرنسية قد كسبت قلوب الشرقيين باعتدالها في صفة الأنانية، وحبها العام للخير والبر، وبذلك يحق للشرقيين أن يحبوها في المقابل، والحق أن تلك الأمة لم تنفك تظهر عواطفها الكريمة في جميع أنحاء الشرق .
انظر إلى مصر التي يتخذها الإنجليز طريقا إلى الهند، هل تجد فيها أي مؤسسة نافعة؟ وأي آثار تدل على حب الحرية المنزه عن الهوى من أصل إنجليزي؟ كلا، فمهما كان وجود مثل هذه الدلائل فإنما تشير إلى الفرنسيين، ولن تجد في مصر مدرسة واحدة للمعارف أو العلوم، منذ عهد المرحوم محمد علي باشا، إلا كان مؤسسها ومنظمها وناظرها فرنسيا، فتحية إلى الأمة التي تنطق أعمالها بمدحها، والتي يشهد العالم كله على فضائلها وطهارة ثوبها الذي لم يدنسه تلوث الطمع.
الإنجليز في مؤتمر برلين
أذكر أيضا سلوك الإنجليز في مؤتمر برلين، حيث عرضوا للبيع بعض أقاليم تركيا، فقد تعهدوا هناك، فضلا عن هذا، بخرق المعاهدات، ولا سيما ما يخص منها أهل الشرق، الذين كانوا - وقتذاك - على قناعة كاملة بغدرهم، وكانوا حقا من الاقتناع بذلك إلى حد أن لو جاءهم الآن صوت من السماء معلنا صدق وعودهم، وتمسكهم بكلمتهم لما صدقوه ولا أطاعوه، غير أن هذا هو أسلوب الإنجليز الذي لا يتبدل؛ فهم حين يريدون نوال شيء أو يفكرون في ضرر يسعون إلى تحقيقه عن طريق المعاهدات، وهي مجرد أدوات التغرير والتدليس، ولا يترددون في نقضها في سبيل خدمة مصالحهم. وهذا ما فعلوه في الهند، ولا سيما مع سلطان لكنو الذي قبضوا عليه ونقلوه إلى كلكتا.
إن السياسة الضعيفة تنشأ من العقل المضطرب، وتنبت من الشره والطمع اللذين ينبعان بدورهما من تلك الصفة المستهجنة، ألا وهي الإفراط في الأنانية، وقد أثارت هذه الصفة أعداء الإنجليز عليهم، وجعلت أصدقاءهم يشعرون نحوهم بالاشمئزاز، فهم - على سبيل المثال - رفضوا مذكرة أندراسي، وبذلك أسخطوا عليهم النمساويين الذين وضعوا تلك المذكرة بكل ما لديهم من إخلاص، ثم تمت الموافقة عليها - بخط أندراسي - من الأباطرة الثلاثة، كما أنهم - أي الإنجليز - رفضوا مذكرة بسمارك، وهو السياسي الذي يجب على من يرفض رأيه أن يعد نفسه لرأي أشد وطأة بذات المعنى.
Halaman tidak diketahui