Pahlawan Penakluk Ibrahim
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
Genre-genre
فرد إبراهيم باشا على والده يحذره من كل مسعى يسعاه في هذه الظروف للوصول إلى الاستقلال؛ مخافة أن يتخذ الباب العالي ذلك وسيلة للهجوم عليه؛ لا من أجل الفتن في سوريا كما كان يريد، بل من أجل مسلكه معه، وأن الجيش المصري بعد طول الحرب ومكافحة الفتن، قد تولاه التعب والملل. فهل هو يستطيع الآن منازلة الجيش التركي؟ وهل الحالة السياسية العامة موافقة لطلب الاستقلال؟ إلى قوله في ذلك الكتاب:
إنك تقول لي في كتابك المؤرخ 30 سبتمبر 1834 إنه يجب علينا الآن أن نتمكن من تحطيم هذا القيد؛ قيد العبودية، الذي نحمله الآن بأعناقنا، «وأن نحمله نحن لرجال إستامبول»، فهل تذكر يا والدي ومولاي أني إبان الحرب الأولى طلبت منك أن تلقي نير العبودية، فأجبتني أنك تكتفي باسم محمد علي؟ فإذا كنت ترى أن الوقت قد حان الآن لإلقاء هذا الغل من أعناقنا، فأنا أرى أن هذا المسعى ليس من السهل تحقيقه، بل أرى الأمر على عكس ذلك؛ أي إني أراه صعبا جدا؛ فعند الترك رجال أبطال كرجالنا أو هم أكبر بطولة، ومهاجمة أسطولهم للسواحل تضر بك أكثر من إضرارها بي.
فلم يرتح محمد علي إلى هذا الجواب، وعزاه - فيما كتبه بعد ذلك إلى إبراهيم - إلى تعب أعصابه تعبا قضى عليه بألا يدرك مغزى كتابه ومرماه، فلم يمعن فكرته قبل الجواب. فأجاب إبراهيم بما يلي:
تقول لي في كتابك في 27 سبتمبر، إن عبارتك كانت منحصرة في ضرورة تحطيم نير التابعية، وإني أنا في كتابي عزوت إليك لا حب تحطيم القيد، بل دفعه على أعناق الترك، وأن هذا الخطأ مني مرجعه إلى عدم فهمي كلامك.
والحقيقة أني أدركت فهم ألفاظك وعبارتك، وإذا كنت قد زدت عليها كلمة «تحميل القيد لأعناق الترك»، فإني قد تعمدت ذلك، وإليك البيان والسبب:
إن السلطنة التركية تدعي تبوء عرش الخلافة؛ لأنها تملك الأرض المقدسة والحرمين الشريفين على أن الحجاز في قبضة يدنا الآن. فإذا نحن نلنا استقلالنا سقطت حجة تركيا من تلقاء نفسها، وسقطت الخلافة عنهم؛ لأنهم لا يستطيعون أن يقولوا بعد ذلك في المساجد عن السلطان إنه خادم الحرمين الشريفين؛ لأن الحرمين والأراضي المقدسة تكون في أيدي الحكومة المصرية، وحينئذ - وعلى هذا الوجه - أجزت لنفسي أن أقول: «يحمل الترك نير العبودية بدل مصر.»
وليس تبادل الكتب بين محمد علي وولده إبراهيم منذ البدء في حملة سوريا على ما اطلع القراء، إلا الدليل على اختلاف طريقة الابن عن طريقة الأب؛ فإبراهيم كان يقول منذ الساعة الأولى بالعمل الحازم ووضع أوروبا أمام الأمر الواقع قبل أن تسترد نفسها وتعمل فكرتها وتنظم خطتها. ومحمد علي كان مترددا يرقب جو السياسة ولا يريد أن يخطو خطوة واحدة غير أمينة العاقبة. وزيادة على ما تقدم لتأييد هذا الرأي نورد نص كتاب إبراهبم إلى والده يزيد فيه التبسط في الموضوع الذي أغضب محمد علي، قال:
تذكر يا والدي أني عندما وصلت إلى قونيه ألححت بكل خضوع بأن نكسب الفرصة لإعلان استقلالنا، فرددت علي في الحال بأنك تكتفي «باسم محمد علي» وكنا في ذاك الحين منتصرين، وكانت الفرصة سانحة فلم ترد. فهل بعد سنتين من تسوية المسألة وإقامة الحدود تطلب الاستقلال؟ إن الترك أبرموا في هذه الفترة معاهدة مع الروس، وشروط هذه المعاهدة تقضي بأن كل خطوة نخطوها وراء الحدود تعتبرها روسيا اعتداء تدفعه عن تركيا، ولكنهم لم يشترطوا منع تركيا عن الاعتداء علينا. فالترك عندهم الضمانة منا، ولكنهم أحرار في أن يهاجمونا ولا تعترض دولة من الدول عليهم.
ولما وثقت الآن من أن الباب العالي يوقد الثورات في سوريا، جنحت إلى الاستقلال، مع أن الظروف غير موافقة. وهذا الإعلان الذي تعلنه أتم إفساد الصلات بيننا وبين الترك، مع أني كنت قد وجهت نظرك إلى خطورة مثل هذا العمل، فاكتفيت بأن رددت علي بأنك أعلنت إرادتك بالاستقلال.
وغرضي الوحيد من ذكر ما تقدم هو تذكر الأخطاء الماضية ، حتى لا نتسرع في المستقبل بأي عمل من الأعمال، وحتى نقدر لكل عمل من أعمالنا نتائجه.
Halaman tidak diketahui