Pahlawan Penakluk Ibrahim
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
Genre-genre
لقد أصبت في حكمك علي؛ فإني أحب فرنسا وأجلها، فلا أسمع مرة اسم وطننا الجميل دون أن أحس في طيات نفسي بهزات ذكراه المجيدة. وقد تكلمت في موضوع كتابك مع الأمير القائد العام، والظاهر أنه لا يستطيع أن يتحمل تبعة إيقاف الزحف بمحض إرادته، والذي كتبه إليك هو كل ما يستطيعه (وكان إبراهيم باشا قد رد على البارون دي فارين الذي طلب منه إيقاف الزحف - لأن الباب العالي قد أوفد إلى الإسكندرية خليل باشا - بأن ذلك فوق حدود سلطته ومخالف للأوامر التي تلقاها، وأنه قائد عام فقط ومهمته الأعمال العسكرية).
فالأمير يود الوصول إلى الصلح من صميم فؤاده، وقد أمضه أن يرى وقوع هذه الحروب، ويسره أن يرى الأمة متحدة بإخلاص وسائرة في طريق المدنية التي عمل والده للوصول إليها كثيرا جدا.
ولم أستطع أن أكلم الأمير عن العبارات التي يفوه بها الباب العالي بشأنه، لعلمي أنه لا يعبأ بهذه الصيغ البالية من صيغ الاستبداد العتيق؛ لأن الأمير يحب الحرية ويضحي حياته وثروته في سبيل الوصول إلى أن تحكم بلاده بأحكام القوانين التي تنظم بلادنا الجميلة فرنسا.
وهل تظن أن القائد العام يرضى أن يدل الشعب على مصالحته مع الباب العالي بمظاهرات خلابة كاذبة؟ فأنا أؤكد لك أن هذا إذا وقع لا يكون له أقل تأثير في الولايات؛ لأن جميع سكان الولايات في قنوط ويأس شديدين من أعمال الجيش التركي الذي لا نظام له ولا قانون، فهو ينهب ويحرق ويقتل ... إلخ.
أما جيشنا فهو على عكس ذلك؛ لأنه خاضع لنظام صارم كنظام جيش فرنسا، فهو يدفع ثمن كل شيء يأخذه نقدا، وهو يحترم كل الاحترام أموال الناس وأملاكهم، وهو قد نال بين الأهالي سمعة حسنة يعد من الخطل إضاعتها بإبلاغهم أنهم باقون تحت النير التركي ... إلخ.
هذا ما كان يعمله جيش إبراهيم في البلاد التي اجتازها، ولأجل هذا أحبه الأهالي؛ لأنهم قابلوا بين مسلكه ومسلك خصمه. وكان إبراهيم ينشط الزراعة ويشجع الأعمال الصالحة. والآن ننظر إلى الإصلاحات التي أجراها إبراهيم في إدارة البلاد، ولا تزال آثارها باقية حتى الآن. فقد ذكر كلوت بك أن جيشه الذي كان عدده 85 ألفا وزعه على 17 معسكرا، وأوقف أكثره على حدود تركيا، ولم يبق معه سوى 1152 جنديا؛ فجعل حامية أدنه 6479 جنديا، وأنطاكية 2131 جنديا، وحلب 13130 جنديا، وحماه 4297، ودمشق 3489، ومرعش 5238 ... إلخ.
أما التنظيم الإداري فإنه جعل القاهرة السلطة العليا. وكان إبراهيم جامعا بين القيادة العليا للجيوش والحكم العام لسوريا وكيليكيا، وضم فلسطين إلى ولاية دمشق، وجعل واليها شريف بك الذي كان قبل ذلك حاكما لسوريا كلها، وجعل متسلما لعكا الشيخ حسين عبد الهادي من أعيان نابلس، وولى سليمان باشا الفرنساوي ولاية صيدا لصلتها ببيروت وصلة بيروت بالتجار الأوروبيين، وإسماعيل بك من أولاد عمه ولاية حلب، وأحمد منكلي باشا ولاية أدنه ... إلخ. وعين يوحنا البحري مديرا لحسابات الولايات كلها، وألف في كل مدينة عدد سكانها عشرون ألفا فما فوق ديوانا للمشورة ينتخب أعضاؤه من أعيان المدينة وتجارها، ويمثلون جميع المذاهب، وسن لهم نظاما للعمل دقيقا، وجعل قراراتهم نافذة، إلا إذا هي استؤنفت إلى المجلس الأعلى؛ إما في دمشق أو عكا، ويجوز تمييزها بعد الاستئناف إلى القاهرة.
وأبطل الإقطاعات في أنحاء البلاد.
وكان إبراهيم باشا في أول الأمر شديد الوطأة على الموظفين الذين يحيدون عن جادة العدالة.
واتبع في تنظيم القضاء طريقة فرنسا، ولكنه أبقى سلطة القاضي الشرعي في الشئون الدينية والشخصية؛ فكان قاضي المدينة ينظر في القضايا الجزئية والمعاملات التجارية ويسجل العقود، وكانت القضايا الكبيرة تحال إلى المحاكم العليا وهي مؤلفة من قاضيين أو أكثر، وكانت الأحكام تستأنف إلى قاضي القضاة. أما اختصاص المشورة، فكان النظر في الأموال الأميرية وقضايا ملكية الأراضي وإعطاء المقاولات والالتزامات، ووضع النظم للمالية والجمارك وسواها.
Halaman tidak diketahui