Pahlawan Penakluk Ibrahim
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
Genre-genre
الخاتمة
بعد عودة جيش إبراهيم باشا إلى مصر، وزع محمد علي هذا الجيش على أنحاء الوجه البحري للاشتغال بزراعة القطن ولخفارة هذه الزراعة؛ لأن الأهالي لم يكونوا قد ألفوها، وكانوا يفضلون عليها زراعة الحبوب، فكان دأبهم أن يقتلعوا ليلا البذور التي يزرعونها نهارا. وكان 1500 فلاح فرنساوي جاء بهم محمد علي من فرنسا يعلمون الفلاحين زرع القطن، وعين محمد علي كل واحد من أولاده وأحفاده لرقابة مديرية، فكان إبراهيم يرقب المنوفية، ومحمد علي ذاته اختص نفسه بالقليوبية. وكانت لإبراهيم مزارع خاصة يعنى بها كل العناية؛ لينفق من دخلها على نفسه وبيته؛ لأن محمد علي كان يعيش عيشة الأمراء القدماء، فلا يعتمد على أموال الدولة للإنفاق على نفسه، حتى أجمع المؤرخون على أن نفقة قصوره ودوره لم تتجاوز في سنة من السنين عشرين ألف جنيه. واعتنى بعد الحروب بإنشاء مصلحة لهندسة الري، وإنشاء القناطر وحفر الترع وتنظيم الصحة ومعالجة الفقراء مجانا، ووضع مشروع لإنشاء مساكن للفلاحين، وآخر لإنشاء بنك وطني، وتجربة جميع أنواع النبات، وحفر المصارف، والإكثار من المدارس. وكذلك إبراهيم ولي عهده كان يميل بطبعه إلى شظف العيش. وإبراهيم الذي ولد في سنة 1879 كان قائد القوات البرية، كما كان أخوه سعيد باشا قائد الأسطول بعد أن صرف ثلاث سنين في التمرن على أعمال البحرية، وقد وصفه لنا أحد مؤرخيه من معاصريه، فقال:
كان ربعة القامة، قوي العضلات، واسع الصدر، عريض المنكبين، واسع العينين البراقتين رماديتي اللون، مستطيل الوجه، طروب، إذا ضحك اهتزت أعضاء جسمه جميعا، حتى يخيل إلى الناظر أن كل عضو من أعضائه يضحك، وإذا هو غضب تحول بركانا. جمع البسالة والجود، وما أضاع في ساعة الشدة رباطة جأشه، وكل ما اشتد الأمر عليه ازداد حلما وسكونا، وما رآه أحد بعد النصر تأخذه نشوة الفخر، بل يتملكه التفكير الطويل لما يلي ذلك ولما يمكن أن يليه. كان يحب الزرع والنبات والشجر والغابات إلى حد الغرام، فأكثر من ذلك في سوريا ومصر، وكان يكرر كلمة المملوك مراد بك «إذا طلبت في مصر الذهب فانكش وجه أرضها»، وكان يتكلم التركية والعربية والفارسية، ولكنه كان فخورا بعربيته ومصريته. نقل إلى التركية تاريخ نابليون بعنوان «دفيني أسرار حكامي أوروبا»؛ أي كنز أسرار حكام أوروبا، وكان واسع الاطلاع في تاريخ أمم الشرق.
ولاه والده إدارة بعض المديريات وهو في السادسة عشرة من عمره، فاكتسب خبرة واسعة في الشئون الإدارية والأحكام. وكان إبراهيم - على مجده وعزته - كأصغر الناس في حضرة والده ، فإذا أقبل عليه لثم يده، ولا يأخذ في المجلس مكانه إلا إذا أمره، ولا يدخن في حضرته إلا إذا أباح له التدخين. وكان محمد علي يقابل ذلك بمثله، فالألقاب التركية التي كان يلقب بها إبراهيم - كأمير الحرمين الشريفين - كانت تجعل له المقام الأول بين أمراء الدولة العثمانية، فيقدم عليهم جميعا. والمفروض على هؤلاء، إذا أقبل عليهم أمير الحرمين الشريفين، أن ينهضوا إجلالا له. فكان محمد علي، إذا أقبل ولده إبراهيم عليه، انتظر دخوله واقفا تعظيما لرتبته وأذن له بالسير معه في الحفلات والتشريفات الرسمية سائرا قبالته على صف معتدل. وكان إبراهيم عماد الملك وقوام الأريكة وذراع محمد علي اليمنى ورأسه المفكر. •••
أرسله والده مع أخيه الأكبر إلى أوروبا في سنة 1846 لانحراف صحته، فلما وصل خبر رحلته إلى الملوك والأمراء وجهوا إليه الدعوة، وتلقى دعوة الملكة فكتوريا لزيارة إنكلترا وهو في توسكانا في طريقه إلى فرنسا، وكان استقباله في توسكانا حافلا جدا، ولما وصل إلى باريس كانت الحفاوة به فوق حد الوصف، فعرض ثلاثين ألف جندي في ميدان شان دي مارس، وقالوا في وصف ذلك العرض: إن فرنسا لم تشهد مثله بعد نابليون الأول. وشهد العرض مع رجال الدولة ثمانية من أمراء البيت المالك وست من الأميرات، فكان يوم 21 مايو سنة 1846 يوما مشهودا في عاصمة فرنسا.
وزار ما زار من معاهد فرنسا - كما يقول إدوار جوان - دار الضرب الفرنساوية، فضربت بحضوره مدالية، فإذا بها تمثل محمد علي باشا، وقد كتب تحت الصورة بالفرنساوية: «محمد علي مجدد مصر.» ولزمه الدوق دي مونبانسيه الذي زار مصر في سنة 1845، ولقي كل إكرام إبراهيم باشا إبان زيارته فرنسا، ودعاه لزيارة ميدان التمرينات العسكرية في سان نامور. فذهب إبراهيم باشا إلى ذلك الميدان بمركبة ملكية ومعه الدوق دي نمور والبرنس دي جوانفيل، وقدم له الجواد اللازم لركوبه، فإذا به الجواد الذي ركبه في معركة نصيبين، وكان والده محمد علي باشا قد أهداه في سنة 1841 إلى ملك فرنسا مع 9 جياد أخرى عربية أصيلة. قال الذين وصفوا يومئذ تلك الحفاوة بإبراهيم باشا: إنه نظر إلى الجواد فأحس الحاضرون أن أعصابه ترتعد وأن الدمعة حائرة في عينيه، ولكنه وثب وثبة الأسد إلى ظهر ذلك الجواد الذي كان رفيقه في معركة نصيبين، وعرض من مشوهي الحرب أمامه 2500 جندي وهم متقلدون سلاحهم، وكانوا من جنود الحملة الفرنساوية في مصر، وأهدت إليه حكومة فرنسا يوم سفره وسام «اللجيون دونور»، ولكثرة إحساناته أطلقوا عليه لقب «البطل المحسن»، وعند مغادرته باريس أعطى 12 ألف فرنك للفقراء.
إبراهيم باشا في ميدان عرض الجيش الفرنساوي بباريس.
وزار إبراهيم بعد ذلك لندن عاصمة الإنكليز إجابة لدعوة الملكة فكتوريا، فكانت الحفاوة به كبيرة، وكانت الجماهير تتزاحم على طريقه لرؤية بطل نصيبين. وعرض أمامه هناك قسم من الأسطول والجيش، وطاف بعض بلاد اسكتلندا. ولما عزم على العودة إلى مصر بعد سفر والده إلى إستامبول، جعل طريقه على بلاد البرتغال، حيث زار الملك والملكة، ولقي كل حفاوة وإكرام، وأهدى إليه الملك وسام البرج والسيف، ومن هناك عاد إلى مصر.
وكان سليمان باشا الفرنساوي يرافق إبراهيم باشا في رحلته إلى أوروبا، وسليمان باشا أو الكولونيل سيف هو صاحب الكلمة المشهورة: «أحببت في حياتي ثلاثة رجال، وجعلت حبي لهم فوق كل حب: والدي، ونابليون، ومحمد علي. وقد مات الاثنان الأولان، فانحصر حبي بمحمد علي.» وكان محمد علي يقول: «سليمان ولد من أولادي، لا يخرج من مصر إلا إذا خرج منها محمد علي.»
وقد كان لإبراهيم ثلاثة أولاد: أحمد بك؛ ولد سنة 1825، وإسماعيل بك (الخديوي إسماعيل)؛ ولد في سنة 1828، ومصطفى بك؛ ولد في سنة 1832. وكان له ولد رابع توفي طفلا وهو في حجر إحدى الجواري السود برفصة جارية بيضاء كانت قد وجهتها إلى الجارية السوداء التي تحمل الطفل الذي ولد بعد حرب الوهابيين، فحزن عليه إبراهيم حزنا شديدا.
Halaman tidak diketahui