نحتاج إلى أدب الأفكار، لا إلى أدب الألفاظ.
وسيشبع القارئ أفكارا من هذا الكتاب، ولكني أرجو أولئك الذين يجهلون الأدب الإنجليزي أن يقرأوا مع هذا الكتاب كتابي الآخر: «الأدب الإنجليزي الحديث»؛ إذ هو تمهيد وتقديم لدراسة شو.
دنيا الأحلام والأماني
قل أن نجد عظيما في شأن من الشئون البشرية إلا وله هوسة أو لوثة قد أصابته وهو في شبابه، وهذه الهوسة واللوثة على الرغم مما يبدو لأصدقائه أو عارفيه كما لو كانت غفلة أو سماجة أو وقاحة، إنما تدل على يقظة الوعي، وأنه قد شرع يستقل في تفكيره ويسأل: لماذا الحكومة؟ لماذا الدين؟ ما هي السعادة؟ ما هي الحضارة؟ ما هو الحب؟
وهو في شبابه يتحسس المبادئ ويقارن بين الأحلام والحقائق ويرفض التسليم بالقواعد، ويحاول أن يبتكر في نظم المجتمع أو نظام حياته، وقد يسخف في بداياته ومحاولاته، ولكنه ينتهي منها إلى الدرس الجاد وإلى الأفكار الناضجة التي يستقر بها على فلسفة ويقين.
وكلنا سواء في رؤية المساوئ التي تحفل بها الحضارة، بل الحضارات قديمها وحديثها، وليس منا من ينكر المظالم التي تقع بالملايين من البشر، والبؤس الذي عاناه ويعانيه الناس من الحرق قديما والاستعمار حديثا، وإرهاق العواطف بسوء العلاقات البشرية، والتكاليف الباهظة التي تطالبنا بها الحضارة.
وكثيرون من الشبان وقفوا فيما بين العشرين والثلاثين من أعمارهم يسألون: لماذا كل هذا العذاب؟ لماذا لا يكون هناك مجتمع عادل نعيش فيه في بساطة لا ترهق وحرية لا تستباح، وإخاء عام يشملنا بالحب؟
ونحن في هذه الفترة نحلم ونتمنى، وتزيد أحلامنا وأمانينا عندما يزيد الإرهاق وتكثر المظالم؛ ولذلك ننفجر بالثورة لتحقيق بعض من هذه الأحلام والأماني في تلك الأوقات.
ونحن نحلم لأنفسنا ونحلم للمجتمع.
والشاب حين يحلم لنفسه وشخصه - بشأن الحب والزواج والعمل والكسب - إنما يبني حياته أو بالأحرى يؤسسها، وهو يدرس ويكد كي يحقق ما يحلم به، بل كثيرا ما أجد الموظف الذي دخل في العقد السادس من عمره يحلم ببضعة الفدادين التي يشتريها عند بلوغه سن الإقالة، ويحيا فيها حياة السذاجة والقناعة ويتخلص بها من تكاليف الحضارة الباهظة التي يعانيها في إقامته بالمدينة، وكلنا نهفو في أي وقت من أعمارنا، إلى تمضية بضعة أسابيع في المصايف الساذجة حيث نستطيع التخلص من تكاليف الحضارة وحيث نسترخي دون أن نقيد بنظام أو ميعاد.
Halaman tidak diketahui