لم يكن للعمال «وجود» في السياسة الإنجليزية إلا في السنين الأخيرة من القرن الماضي، وكان الأحرار والمحافظون يتداولون الحكم، ولكن في بداية القرن الماضي ظهر في إنجلترا رجل من أصحاب المصانع يدعى «روبرت أوين» الذي فكر كثيرا في أحوال العمال وبؤسهم، وانتهى إلى إيجاد فكرة «التعاون» أي الجمعيات التعاونية، وكان يعتقد أنه يمكن تغيير المجتمع من مبدأ المباراة إلى مبدأ التعاون بإيجاد هذه الجمعيات، ونجح في الدعوة إلى هذه المنشآت إلى حد بعيد، وكان يؤمل أنه عندما تقوى هذه الجمعيات ويأخذ الناس بنظمها فإنها تنتهي بإلغاء الممتلكات الفردية وجعلها - أي هذه الممتلكات - للمجتمع وحده؛ أي لا يملك المصنع أو المزرعة فرد وإنما تملكها جمعية تعاونية.
وهو واضع كلمة «الاشتراكية» في اللغات الأوربية ولكن اشتراكيته كانت في الأكثر أمنية إنسانية ولم تكن برنامجا علميا؛ لأن هذا التحول من الامتلاك الفردي إلى الامتلاك الاجتماعي عن طريق جمعيات التعاون لم يتحقق، بل لم يقارب التحقيق، وإن كان قد أدى خدمة كبرى في الإنتاج وأيضا في الأخلاق؛ لأن العامل الذي كان ينتسب إلى إحدى هذه الجمعيات كان يفكر ويحس بمعان جديدة بشأن الإنتاج بالمباراة وبالاجتماع وبشأن الكسب والاستغلال.
وإلى جنب حركة التعاون ظهرت حركة أخرى أيقظت وعيا جديدا بين العمال، هي حركة النقابات التي كافحتها المحاكم الإنجليزية وحاولت القضاء عليها بنفي الأعضاء إلى أستراليا باعتبارهم مهددين لأمن الدولة، كما كان يفعل البوليس السياسي في مصر بإيعاز المستعمرين والمستبدين.
وبقيت حركات العمال تسير في بطء يغذوها مفكرون طوبويون خياليون، ولكنها مع ذلك انطوت على ثلاثة أشياء: (1)
فكرة الجمعيات التعاونية. (2)
فكرة النقابات العمالية. (3)
فكرة الاشتراكية.
ومع أن هذه الفكرات الثلاث كانت تسير في ضعف؛ فإن أوربا كانت تغلي بالسخط لما كان يعانيه العمال في كل قطر من العسف والضغط والفقر، وما هو أن كانت سنة 1848 حتى انفجر السخط إلى ثورات عامة اتخذت أشكالا واتجاهات مختلفة وفقا للبيئة التي ظهرت فيها.
وكان هناك رجل قد نصبه التاريخ للفهم والإيضاح يدرس عصره، أي القرن التاسع عشر، ويحاول أن يحلل عوامل مجتمعه ويفهمها ثم يشرحها ويوضحها للشعوب المتألمة من نظام المباراة في الإنتاج والعمل.
هذا الرجل هو كارل ماركس أعظم فيلسوف ظهر في العالم إلى الآن.
Halaman tidak diketahui