وكان شو يعرف أن جهره بهذا المذهب سيؤذيه في تخصصه للتأليف المسرحي؛ لأن المتفرجين في الدور المسرحية كانوا في ذلك الوقت أو تسعة أعشارهم على الأقل، من الأثرياء وأبناء الطبقات المتوسطة، الذين كانوا ينفرون من هذا المذهب، وكان يعرف أنه لو ألف المسرحيات المسلية لوجد الإقبال المفرد والنجاح العظيم. ولكنه لم يفعل؛ فإن أولى دراماته تنصب على موضوع الإثراء الملوث من الاتجار بالبغاء، مع شرح مسهب عن ألوان الثراء الأخرى، وأنها لا تختلف كثيرا عن الإثراء عن طريق البغاء.
وهذا موقف شريف يجب أن نعترف به لبرنارد شو، ولكن يجب ألا نترك برنارد شو بلا نقد بشأن الاشتراكية.
فإن المذهب الاشتراكي يقول بأن الحكم للشعب على يد الشعب، ولكن برنارد شو في النصف الأخير من حياته التأليفية نزع إلى لون فاشي مع استبقائه لإيمانه الاشتراكي، فقد مدح موسوليني وألف درامات يقول فيها بأن الجمهور يمكن خداعه وغشه، وأن الحكم يجب أن يبقى في أيدي الأقلية الممتازة بالذكاء والخبرة، وهو هنا يعكس الحال التي عاينها في إنجلترا فيما بين 1900 و1919 حين استطاع الأحرار والمحافظين أن يخدعوا الشعب الإنجليزي ويوقعوه في الحرب الكبرى الأولى، بل ويورطوه في خطط استعمارية هي غاية في السفالة والخسة والدناءة.
ثم هو كان يؤمن بأن الاشتراكية المتدرجة، التي كانت تدعو إليها الجمعية الفابية، كانت تكفي لتنوير الشعب وحمله على اختيار حكومة اشتراكية، ومع أنه يعزو ظهور حزب العمال إلى تعاليم هذه الجمعية (وإن يكن هذا مما يشك فيه)؛ فإن هذا الحزب لم يحقق كل ما كان يصبو إليه برنارد شو من تحقيق النظام الاشتراكي.
وانحياز برنارد شو نحو الفاشية يعود إلى يأسه من تعليم الشعب، وأعظم مظاهر العجز في الشعب الإنجليزي، بل في كل شعب آخر، هو جهله؛ فإن «الديلي إكسبرس» مثلا تعكس لنا - بتفاهة أخبارها وسخافة آرائها - عقلية الشعب الإنجليزي أكثر مما تعكسه لنا جريدة «التيمس»؛ فإن الأولى - وهي للشعب - تطبع في اليوم نحو أربعة ملايين نسخة حين لا تطبع الثانية - وهي للخاصة - أكثر من ربع مليون.
ولكن هذه الأمية الصحفية تعود في النهاية إلى إهمال تعليم الشعب، ولو أن حكومات المحافظين والأحرار والعمال عنوا العناية الكبيرة بتعليم الشعب لما أمكن خداعه. وحسبنا مثلا أن نقول إن روسيا قد جعلت العلوم في أساليبها وموادها أساسا لتعليم خمسة ملايين عالم أو رجل علمي، ومثل هذه الوثبة ستكفل للشعب الروسي - أو بالأحرى للشعوب السوفيتية - مرتبة عالية من الثقافة العلمية الجديدة التي تحول بينها وبين الإيمان بالخرافات المقدسة، كما تحول بينها وبين الخداعين والنصابين في السياسة.
ولكنا مع كل ما قلنا هنا لا نستطيع أن نتهاون أو نتسامح في هذا الانحياز نحو الفاشية في برنارد شو.
الاشتراكية الإنجليزية وحزب العمال
قبل نحو سبعين سنة كتب الشاعر الإنجليزي رديارد كبلنج هذه الأبيات ينصح فيها للجندي الإنجليزي، ويرشده عن تصرفه عندما يلتقي بواحد من أبناء المستعمرات، من السود أو السمر، حين يحاول ابتزاز ما معه من نقود أو جواهر، فإذا رفض هذا الأسود أو الأسمر تسليمه ما يطلب ابتزازه منه كان على هذا الجندي أن يجلده، فإذا أصر على الرفض فعليه أن يعيد الجلد، ويعذبه حتى يستخرج ما كان قد أخفاه عنه، وإليك النص الإنجليزي باللغة العامية التي كان كثيرا ما يؤلف بها كبلنج أشعاره:
Now remember when you are acking round a gilded Burma god,
Halaman tidak diketahui