وتعاقبت الأيام على هذه الحال ستة أشهر طوال و«ماري» صابرة صبر كرام النفوس، لا تخلف وعدا ولا تنكث عهدا، ولا تألو في إخفاء عذابها جهدا، و«ڤكتور» يرى منها ذلك الصبر الجميل والتأسي العجيب، فيرق لها فؤاده بما فيه من رقة الحب.
من ملك الحب رقة
كساه لطفا ورقه
فمن غدا مسترقا
فقل هواه استرقه
ومن رأيت خليقا
فالحب تمم خلقه
وكان يترضاها بالإقبال عليها والانعطاف إليها، فلا تراه إلا مهتما بشأنها، مسارعا إلى قضاء ما تريد، يتحفها بالهدايا والتقادم النفيسة على الولاء، وينفحها بما تشتهيه نفسها من غير سؤال، ولا يعارضها في شيء من أمور المنزل، فتقول له كلما أتاها بهدية غالية أو ثوب جديد: أكثرت من هذه الهدايا، أكثرت جدا، فلا تبذر من أجلي المال، فأنت محتاج إليه. - إنما أنفق من حباء الوالد منذ قدومك باريس، فإنه يرسل ما يلزمنا من المال رغبة في مرضاتك، وتوفيرا لأسباب راحتك، ويأمرني أن أبذله في سبيل إسعادك من غير حساب، ولو استطعت لألقيت تحت أقدامك ذهب الأرض في الطول والعرض.
ولم يكن هذا القول شافيا لعلة «ماري»، ولا ذاك المال المبذول كافيا في إزالة ما بنفسها من ألم الغيرة، فالمال عرض أحقر من أن يكون للصادق في حبه غرضا، والحب مقام أرفع من أن تصل إليه يد المتطاول بالمال، غير أن «ماري» لم تكن أشقى من الباريسية الحسناء بالا، ولا أسوأ حالا، فإن الألم الذي يمكن إعلانه بلا خجل ولا خوف من اللوم يخف على النفس وإن كان شديدا، ومن علم أنه على الحق هان عليه التأسي فيما يعانيه من العذاب.
وكانت «أليس» شديدة الغيرة لا تستطيع الصبر على قرب «ڤكتور» من زوجته، مع معرفتها بمكان «ماري» من صفاء النية والطهر، ولا تجد من سبيل إلى الراحة مع علمها بازدياد حب «ڤكتور» لها واشتداد هواه، وكانت مع ذلك رقيقة الطبع، سريعة الحس، كريمة النفس، فكان يؤلمها أن تكون مضطرة لغض الطرف وخفض الرأس كلما رأت زوجة «ڤكتور».
Halaman tidak diketahui