وَالْجَمِيلُ عَامٌّ لِمَا فِي الْوَاقِعِ أَوْ عِنْدَ الْحَامِدِ أَوْ الْمَحْمُودِ بِزَعْمِ الْحَامِدِ فَالظُّلْمُ الَّذِي ادَّعَى حُسْنَهُ حَمْدٌ وَأَيْضًا يَجُوزُ كَوْنُ الْمَحْمُودِ بِهِ سَلْبِيًّا أَيْضًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ فَوَاضِلَ أَيْ مُتَعَدِّيًا كَأَنْعَامٍ أَوْ فَضَائِلَ أَيْ غَيْرِ مُتَعَدٍّ كَحَسَنٍ وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِ الْمُتَعَدِّيَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ لَا عَلَى مَا نَقَلَ مِنْ الدَّوَانِيِّ وَصَدْرِ الْأَفَاضِلِ فِي حَاشِيَةِ التَّجْرِيدِ وَالْمَطَالِعِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ شَرْحِ التَّهْذِيبِ اخْتِصَاصُهُ بِالِاخْتِيَارِيِّ وَلِذَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَبُو الْفَتْحِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ.
أَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِوَارِدٍ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ عَلَى عَدَمِ الِالْتِفَاتِ بِالْمَشْهُورِ فِي دِيبَاجَتِهِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَاتِ مِنْ الْجَدَلِيَّاتِ وَأَنَّ تَعْلِيلَهُ بِأَنَّ الْجَمِيلَ اخْتِيَارِيٌّ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْفِعْلِ وَهُوَ بِالِاخْتِيَارِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ بُرْهَانًا تَأَمَّلْ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الشَّرِيفِ الْعَلَّامَةِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَالِعِ اخْتِيَارُ التَّعْمِيمِ وَالثَّانِي أَيْ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ مَا يَقَعُ الْمَحْمُودُ بِهِ لِأَجْلِهِ فَلَوْلَاهُ لَمْ يَقَعْ فَهُوَ كَالْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ لِلْوَاصِفِ عَلَى الْوَصْفِ أَوْ هُوَ عِلَّتُهُ وَقَدْ يَتَّحِدُ الْمَحْمُودُ بِهِ وَعَلَيْهِ ذَاتًا وَيَتَغَايَرَانِ اعْتِبَارًا فَإِنَّ الشَّجَاعَةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ الْوَصْفِ بِهَا مَحْمُودًا بِهِ وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُ الْوَصْفِ لِأَجْلِهَا لِقِيَامِهَا فِي مَحِلِّهَا مَحْمُودًا عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ يَجِبُ كَوْنُهُ كَمَالًا وَلَوْ فِي زَعْمِ الْحَامِدِ أَوْ الْمَحْمُودِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ فِعْلَ الْمَحْمُودِ أَوْ كَيْفِيَّتَهُ ثُمَّ الْمَشْهُورُ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا وَلَوْ حُكْمًا فَأَوْرَدَ بِنَحْوِ الثَّنَاءِ عَلَى صَفَاءِ اللُّؤْلُؤِ وَرَشَاقَةِ الْقَدِّ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ مَدْحٌ لَا حَمْدٌ وَلَوْ مَجَازًا وَأَشْكَلَ بِثَنَائِهِ تَعَالَى عَلَى صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ الْغَيْرِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاخْتِيَارِيَّ شَامِلٌ لِمَا يَكُونُ أَثَرُهُ اخْتِيَارِيًّا أَوْ بِأَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى مُسْتَقِلًّا فِي مَصْدَرِيَّتِهَا كَالِاخْتِيَارِ أَوْ هُوَ مَجَازٌ وَبَابُ الْمَجَازِ وَاسِعٌ كَتَحَامُدِ الرَّعَايَا عَلَى الْكَلَأِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَمِنْ الْمَجَازِ حَمِدَتْ الْأَرْضُ وَالثَّالِثُ أَيْ الْحَامِدُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُعَظِّمًا لِلْمَحْمُودِ فِي سَائِرِ أَقْوَالِهِ وَجَمِيعِ أَفْعَالِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَلَوْ اقْتَرَنَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ بِنَحْوِ تَحْقِيرٍ وَاسْتِهْزَاءٍ وَلَوْ بِاحْتِمَالٍ مَعَ تَحَقُّقِ التَّعْظِيمِ مِنْ الْجَمِيعِ يَكُونُ حَمْدًا لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ فِي التَّعْظِيمِ عُمُومُ الْإِفْرَادِ.
كَذَا قَرَّرَ صَدْرُ الْأَفَاضِلِ وَأَيَّدَ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعْظِيمُ وَالتَّحْقِيرُ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي آنٍ وَاحِدٍ فَلَوْ فُرِضَ اجْتِمَاعُهُمَا يُرَجَّحُ جَانِبُ التَّحْقِيرِ لِأَنَّ الْمُرَكَّبَ مِنْ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ خَارِجٌ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ يُرَجَّحُ جَانِبُ الْحَظْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اعْتِقَادُ الْحَامِدِ اتِّصَافَ الْمَحْمُودِ بِالْجَمِيلِ الَّذِي أَتَاهُ إنْ لَمْ يُقَارَنْ بِشَوْبِ تَحْقِيرٍ فَيَدْخُلُ هَذَا الْوَصْفُ الَّذِي اعْتَقَدَ الْحَامِدُ انْتِفَاءَهُ عَنْ الْمَحْمُودِ فِي الْحَمْدِ هَذَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّرِيفِ الْعَلَّامَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُطَابِقْ الْقَوْلُ الِاعْتِقَادَ يَكُونُ سُخْرِيَةً فَدَفَعَهُ الدَّوَانِيُّ بِأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ الِاعْتِقَادِ لَازِمُهُ الَّذِي هُوَ إنْشَاءُ التَّعْظِيمِ إذْ الْحَمْدُ إنْشَاءٌ وَلَا حُكْمَ فِي الْإِنْشَاءِ حَتَّى يُتَصَوَّرَ فِيهِ الْمُطَابَقَةُ أَلَا يَرَى أَنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ أَوْصَافًا جَمِيلَةً فِي نَحْوِ الْعَقَائِدِ الْقَطْعِيِّ انْتِفَاؤُهَا عَنْ الْمَمْدُوحِ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَيَعُدُّونَهَا حَمْدًا وَمَدْحًا ثُمَّ قَالَ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْحَامِدَ مُعْتَقِدٌ تِلْكَ الْأَوْصَافَ فِي الْمَحْمُودِ أَوْ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهَا مَعَانِيَ مَجَازِيَّةً مُعْتَقِدًا إيَّاهَا فَمَرْدُودٌ بِأَنَّ الْأَوَّلَ خِلَافُ الْبَدِيهَةِ وَالثَّانِيَ خِلَافُ الْوَاقِعِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَدْرُ الْأَفَاضِلِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ خِلَافَ الْبَدِيهَةِ وَالثَّانِي خِلَافَ الْوَاقِعِ لَزِمَ خُلُوُّ الْكَلَامِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ الدَّوَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اعْتِقَادِ مَضْمُونِ الْكَلَامِ عَدَمُ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ كَقَوْلِ السُّنِّيِّ الْمُخْفِي عَنْ الْمُعْتَزِلِيِّ الْعَبْدُ خَالِقٌ لِأَفْعَالِهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِهِ ثُمَّ حَاصِلُ مَا تَحَرَّرَ هُنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحَامِدِ مِنْ التَّعْظِيمِ فِي ثَنَائِهِ وَلَا بُدَّ فِي كَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ أَنْ يَكُونَ مُعَظِّمًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ مُطَابَقَتُهُ بِاعْتِقَادِهِ إنْ لَمْ يُقَارِنْ نَحْوَ اسْتِهْزَاءٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ.
وَالرَّابِعُ الْمَحْمُودُ وَقَدْ عَرَفْت اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ فَاعِلًا وَمُخْتَارًا أَوْ فِي حُكْمِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُحَقِّقِينَ كالتَّفْتَازانِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَأَفَاضِلِ الْمُفَسِّرِينَ كَالزَّمَخْشَرِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ حَصَرُوا الْحَمْدَ لَهُ تَعَالَى وَعَلَيْهِ إشْكَالٌ حَكَمُوا بِصُعُوبَتِهِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ كَمَا تَرْجِعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى تَرْجِعُ إلَى الْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ خَلْقُ اللَّهِ الْجَمِيلُ فِيهِ وَمَكَّنَهُ بِصَرْفِ إرَادَتِهِ وَمُبَاشَرَتِهِ فَلَوْلَا صَرْفُهُ لَمْ يُوجِدْهُ تَعَالَى عَلَى عَادَتِهِ فَيَحْمَدُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَرُجُوعُ هَذَا إلَى اللَّهِ لَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ.
وَالنَّاسُ فِيهِ فَرِيقَانِ
1 / 6