أدرك هارون فيم يريده حموه حين طلب إليه أن يمر به، ولم يكن مرتاحا إلى هذا الاستدعاء ولكنه لم يستطع أن ينكص عن الذهاب إليه. وقال سعدون: أمرك عجيب يا هارون. - حسبت أنك أول من يجد لي العذر في رفضي أن يتزوج فائق من حفيدة عبد المجيد زين الدين. - يا أخي أنت الذي اعتديت عليه. - ليس المهم من المعتدي. - أعرفك أنك ليس لك في الشعر، ولكن يحضرني بيت لعزيز أباظة لا بد أن أرويه لك يقول:
وبغوا فلما قلت يا نفس اصبري
غضب الظلوم وعوتب المظلوم - أتحسب أن عبد المجيد سيرضى عن هذا الزواج؟ - هذا ليس شأنك. - أعرف ما بينكما من حب. - فاترك الأمر لي. - كل ما أرجوه منك ألا أحضر الفرح. - كيف هذا؟! وماذا يكون موقف عائلة العروس؟ - الحقيقة الموضوع كله ثقيل على نفسي. - اسمع، ما رأيك أن نزوج الولدين في يوم واحد؟
وفكر هارون لحظات، ثم قال: ولم لا والله فكرة، ولكني لا أريد أن أسلم على عبد المجيد. - يا سيدي ولا يهمك، وما أظن أنه سيحرص على السلام عليك. - إذن نتوكل على الله. •••
طلب سعدون التليفون وأجابه عبد المجيد زين الدين. - هل أنت خارج أم ستبقى بالبيت؟ - أنا تحت أمرك، أتحب أن أجيء إليك؟ - لا، في هذه المرة لا بد أن أجيء أنا إليك. - أهلا وسهلا. - الآن. - أهلا وسهلا. ••• - الكلام الذي سأقوله أقوله بما بيننا من حب. - خيرا إن شاء الله. - أنا الآن مدين لك بما صنعت معي. - أستغفر الله، بل سأظل أنا مدينا لك طول عمري. - لا داعي أن نتعازم على الديون؛ فلكل منا تقديره الخاص بما صنع الآخر. أنا أقدر أنني أنا المدين لك، وقد جئت لأزيد من مقدار هذا الدين أضعافا مضاعفة. - أنت تأمر في مالي وأبنائي كيف شئت. - أتمسك بكلمة أبنائك هذه. - لبيك. - أريد ابنتك إلهام. - تقصد طبعا حفيدتي. - شوقي قال عن الحفيد: ولدته مرتين. - تعبير جميل. - إنه شوقي. - لمن تريد إلهام؟ - جئنا للأمر الصعب. - ليس معك أمر صعب. - لحفيدي الذي ولدته مرتين. - يا ساتر يا رب! - ألم أقل لك؟ - طبعا لو كان المقصود ابن وجيدة ما احتجت إلى هذه المقدمة الطويلة. - ليس هذا بغريب عن ذكائك. - أترضى لي أن أزوج ابنتي من ابن هارون؟ - لا، ولكن أرضى لك أن تزوج ابنتك من حفيد سعدون. - غلبتني. لقد أقسمت ألا أمد يدي لهارون أبدا. - أنا الذي سأقرأ معك الفاتحة. - وأبلغه أنني لن أصافحه. - من هذه الناحية لا تخف. - توكلنا على الله. - نقرأ الفاتحة. - ألا أسأل الأب والأم والعروس؟ - أما عن العروس فهي زميلة فائق في الكلية، ولا بد أن الأمور بينهما مستقرة في أمان الله. أما الأبوين فهذا حقك وحقهما، ولو أنني أعتقد أنهما لن يمانعا ما دمت أنت قد وافقت. - أنت على حق، ولكن من ناحية الشكل، أنت تعرف أبناءنا في أيامنا هذه يحبون أن يشعروا أنهم أصحاب الأمر والنهي في بيوتهم. - أفوت عليك بكرة. - هل أنت متعجل؟ - يا رجل يا طيب ألا تعرف من المتعجل؟ - أهلا بك بكرة إن شاء الله. •••
أقيم الفرح للأخوين، وحرص كل من زين الدين وهارون ألا يتصافحا، ولم يلحظ أحد ما بينهما من جفاء إلا العالمون بما بينهما من خصومة. وانقضت الليلة على أحسن ما تكون، وحضر الفرح بإلحاح من الحفيدين الحاج حامد والحاجة توحيدة.
وبالطبع كانت هناك شقة فاخرة لكل من العروسين اختارها الأخوان وزوجتاهما في عمارة واحدة لم يذهبا إليها بعد الفرح، وإنما سافر شهاب وهناء إلى باريس لقضاء شهر العسل، وسافر فائق وإلهام إلى جنيف، وقد كان هذا أول سفر لأربعتهم إلى خارج مصر.
الفصل السابع عشر
عاد الأعراس إلى القاهرة بعد شهر العسل، وبدأت الحياة تأخذ مجراها الطبيعي بين كل من الزوجين، وحمدوا جميعا ما وفقهم الله له من اختيار. وتجاوز كل منهم الأيام الأولى ذلك الاختلاف الذي تتضح معالمه مع الحياة الجديدة، ووجد كل من الأعراس الأربعة أنه قريب في خلقه وتفكيره مع شريكه أو شريكته؛ فقد كان كل من الأربعة رضي الخلق سمحا لا يحب التعقيد.
وكان من الطبيعي أن تكون الحياة بين هناء وشهاب أكثر يسرا؛ فكل منهما يعرف الآخر منذ ولد، فما بعجيب أن تتفق بينهما الميول والمآرب والرغبات.
Halaman tidak diketahui