فقالت سنية: ولكني جادة تماما، ورشاد هدية! - وسهام هدية أيضا ولكن إعلان خطوبة الآن أمر يدعو للضحك! - هل ترفض؟ - أبدا .. لنقرأ الفاتحة .. ليكن حجزا حتى يجيء الوقت المناسب .. وعلي أن أشاور البنت أيضا!
وتمت الموافقة وتم الحجز. واستمد رشاد من حبه الناشئ همة أكبر في العمل ولكن السباحة ظلت حائزة لاهتمامه الأول. وكان جل أصحابه من الرياضيين فكان في السياسة والدين معتدلا، ورغم شعوره بالثراء والأصل إلا أنه كان لطيفا سمحا محبا للناس تياها في الوقت نفسه بقوته الجسدية وحسن منظره. وأمل أن ييسر له «الحجز» إشباع حبه في حدود البراءة، ولكن سهام - مع ميلها إليه - لم تشجعه، وكفت - مرحبة بنصيحة أمها - عن مشاركة الأحفاد في ملعب الحديقة، منضمة إلى مجلس جدتها، تتابع أحاديث السياسة بفتور، وتستاء لأقل إشارة تسيء إلى الزعيم. ولم تكن صفحة بيضاء فقد انسربت إلى أذنيها معلومات محرمة من زميلات في المدرسة أو في البيت سرعان ما ربطت بينها وبين ما تسمع من تلميحات في التلفزيون. ولما كانت علاقتها بأمها علاقة صداقة فقد تجرأت على أن تروي لها بعض النوادر، التي لا تخلو من مغزى جنسي؛ حتى نصحتها ألفت بالتدقيق أكثر في اختيار صاحباتها. وبسبب من ذلك قالت ألفت لمنيرة ذات يوم: هذا التلفزيون يهيئ للبنت الصغيرة معلومات لا تتاح عادة إلا لشابة ناضجة!
فأدركت منيرة ما تعنيه ولكنها تساءلت: أليس هذا أفضل؟ - في الخير نعم، ولكن ليس في الشر!
فتفكرت منيرة قليلا ثم قالت: لعله أفضل أيضا!
فقالت ألفت باسمة: إنك ناظرة ومربية ولكن محمدا له رأي آخر! - لا خير في بناء يقوم على الجهل!
ثم وهي تتنهد: مشكلة أمين وعلي أنهما يفقدان متعة القراءة يوما بعد يوم!
فتساءلت ألفت: أكان الأفضل ألا ندخل التلفزيون في حياتنا؟ - لا جدوى من قرار يتخذ ضد تيار الحياة، المسألة هي كيف يمضي التطور بأكبر فائدة وأقل خسارة .. الواقع أننا نسيء إليهم بالمدرسة أكثر من التلفزيون ألف مرة! - هذا حق، وحتى في السياسة لا وزن لوعيهم السياسي، إنهم يؤمنون بالزعيم وبأي كلمة ينطق بها ولا شيء قبل ذلك أو بعده!
فقالت منيرة بارتياح خفي: بداية لا بأس بها في مثل سنهم.
كانت مثل ابنيها ناصرية لحما ودما، وكانت سعيدة بذلك. ليتها تسعد في حياتها الحميمة كما تسعد في حياتها العامة. وإن يكن الفتور آفة حتمية تقرض جذور الحب، وإن يكن أثره قد تجلى في حب سليمان لها فلم لا يحدث المثل في حبها له؟! لم تصر على مكابدة حب ذلك الرجل الذي لا تعد مثالبه؟ ولم يقف عذابها عند هذا الحد وإنما بات يطاردها إحساس وحشي بأنها موشكة على فقده. وكانت سنية المهدي مستسلمة لخواطرها الحزينة عن منيرة عندما فاجأها محمد بزيارة عند أصيل يوم أحد فتوجس قلبها خيفة. سبقها إلى حجرة نومها الخضراء وجلس أمامها يرنو إليها كمن يتهيأ لإلقاء ما عنده ثم قال: ماما، بلغني من مصدر فوق الشك أن سليمان بهجت متزوج من الراقصة زاهية!
اختلجت عيناها وراء نظارتها وساد صمت ثقيل. كانت مرتدية روبا بنيا ثقيلا، متلفعة بشال قطيفة أزرق، اتقاء لبرد قارس. ولما طال الصمت قال: تأكدت من الخبر تماما!
Halaman tidak diketahui