ان كتاب التربيع والتدوير يجمع الجد والهزل، فهو يشحذ الذهن للتفكير في معظم المسائل العلمية والفلسفية التي انطوى عليها، وهو يثير الضحك بلهجته الساخرة وتصويره البارع لخلق احمد بن عبد الوهاب وخلقه.
وقد احتج الجاحظ لكتابه هذا بقوله انه ينفع لممازحة ظريف او مساءلة عالم او مدارسة حافظ او تجديدا للذهن. فهو يعتقد ان عقل الانسان احوج الى الشحذ من السيف، وان للعلم مطالب كثيرة واسبابا عديدة، وان اهم اسبابه الخواطر الشتى والمسائل التي تطرح على اختلافها. وهذا الكتاب يمثل حشدا للمسائل والخواطر التي تحض على العلم والتفكير.
واذا كانت رسالة التربيع والتدوير معرضا للمسائل الثقافية التي شغلت عقول الناس في عصره، فهي نموذج لادب الجاحظ تمثلت فيه خصائصه الفنية خير تمثيل. وفي طليعة تلك الخصائص الاستطراد الذي ينقله من موضوع الى آخر ثم يعود منه ثانية الى الموضوع الاول. فقد عاد مرارا الى الكلام على الجد والمزاح، وعلى الجن والسحر، وعلى الموضوعات التاريخية، وعلى بشاعة جسم احمد بن عبد الوهاب.
ومن تلك الخصائص مزج الجد بالهزل، وقد احتج لهذا الاسلوب بقوله ان لكل منهما فوائد، وقد اراد من المزج بينهما طرد السآمة عن نفس القراء.
وخصص لبحث هذا الموضوع قسما لا بأس به من الرسالة.
ومن تلك الخصائص السياق الجدلي الرائع، فهو يورد الفكرة ونقيضها، ويحتج لهذه كما يحتج لتلك. ويستقصي للشيء وضده، وكل ذلك انعكاس لغلبة علم الكلام عليه.
ومن تلك الخصائص العبارة المقطعة تقطيعا متوازنا، والتي تنطوي على ترادف لفظي ومعنوي، وهي ان دلت على شيء فعلى ثروة لغوية هائلة تمكنه من
1 / 83