كما انه يعيد الشباب الى الشيوخ، وينشط اجسامهم ويوقظ هممهم.
والنبيذ يبعث على الظرف والضحك، ويعفي من الجد والتعب والحشمة، ويشحذ الذهن. وهو يفعل ذلك في كل وقت ومكان، في الليل والنهار، وفي الشتاء والصيف، وفي المنازل والبساتين.
ثم ان النبيذ يحمل النفس على السرور والطرب، ويدخلها الى الجود، ويورثها الغنى، ويبعدها عن الفقر، ويملأها عزا وكرامة.
وهو جامع الخلان والظرفاء والادباء، ومصدر متعتهم. وهو افضل من سائر الاشربة لأنه كلما زدت منه ازداد طيبة. واذا اسكرك رفق بك ولم يكن اسكاره تغلبا، واخذه بالرأس تعسفا، حتى يميت الحس بحدته، ويصرع الشارب بسورته..» ولكنه على عكس ذلك «يغازل العقل ويعارضه، ويدغدغه ويخادعه، فيسره ثم يهزه. فاذا امتلأ سرورا وعاد ملكا محبورا، خاتله السكر وراوغه، وداراه وماكره، وهازله وغانجه» .
ولا اظن شاعرا من شعراء الخمر استطاع أن يبلغ شأو الجاحظ في وصف تأثير الخمر بالنفس، وتصوير مراحل السكر.
الى جانب وصف النبيذ ومحاسنه يمدح الجاحظ الحسن بن وهب الذي وجه اليه هذه الرسالة. وقد كان الحسن معاصرا للجاحظ وشاعرا وكاتبا.
ويقول في مدحه «وحسبي بصفاتك عوضا من كل حسن، وخلقا من كل صالح..» فهو يجمع الجمال الجسمي الى جودة الرأي وسعة الخلق واللسان الفخم والبلاغة ونبل المحتد.
والجاحظ يطلب اخيرا من الحسن بن وهب أن يهديه مقدارا من النبيذ لا يكثر ولا يقل عن الحاجة. وهو لا يسأله اياه لشربه او يسقيه او يهديه، ولكن ليختبر مودة الحسن واكرامه وتقديره.
1 / 46