Balagha Casriyya dan Bahasa Arab
البلاغة العصرية واللغة العربية
Genre-genre
الإهداء
مقدمة
تمهيد
1 - اللغة والتطور البشري
2 - حين تربي الذئبة الإنسان
3 - الأنثربولوجية واللغة العربية
4 - اللغة والسيكلوجية
5 - البيئة واللغة
6 - اللغة والمجتمع
7 - الأحافير اللغوية
Halaman tidak diketahui
8 - ضرر اللغة
9 - ضرر اللغة أيضا
10 - اللغة والجنون والإجرام
11 - الكلمة الموضوعية والكلمة الذاتية
12 - إحدى الكلمات
13 - اللغة القديمة واللغة العصرية
14 - المجتمع العربي القديم
15 - الكلاسية داء الأدب العربي
16 - الإيحاء الاجتماعي للكلمة
17 - الأقوال أفعال
Halaman tidak diketahui
18 - الذكاء واللغة
19 - كلمات تبني الأخلاق
20 - الكلمة شعار
21 - فن البلاغة
22 - اللغة العصرية
23 - كلمات كوكبية
24 - القدرة على اصطناع الكلمات الأجنبية
25 - أوجدين والإنجليزية الأساسية
26 - التفسير الاقتصادي للغة والأدب العربيين
27 - اللغة العربية في مدارسنا
Halaman tidak diketahui
28 - الخط اللاتيني
29 - التيسير، التيسير
30 - ثقافة إقطاعية وأدب إقطاعي
31 - حاجتنا الحتمية إلى الحروف اللاتينية
32 - المؤلفون المصريون يؤلفون بالإنجليزية
33 - الكلمات اللاتينية والإغريقية في لغتنا
34 - نحو التوحيد
35 - تلخيص
الإهداء
مقدمة
Halaman tidak diketahui
تمهيد
1 - اللغة والتطور البشري
2 - حين تربي الذئبة الإنسان
3 - الأنثربولوجية واللغة العربية
4 - اللغة والسيكلوجية
5 - البيئة واللغة
6 - اللغة والمجتمع
7 - الأحافير اللغوية
8 - ضرر اللغة
9 - ضرر اللغة أيضا
Halaman tidak diketahui
10 - اللغة والجنون والإجرام
11 - الكلمة الموضوعية والكلمة الذاتية
12 - إحدى الكلمات
13 - اللغة القديمة واللغة العصرية
14 - المجتمع العربي القديم
15 - الكلاسية داء الأدب العربي
16 - الإيحاء الاجتماعي للكلمة
17 - الأقوال أفعال
18 - الذكاء واللغة
19 - كلمات تبني الأخلاق
Halaman tidak diketahui
20 - الكلمة شعار
21 - فن البلاغة
22 - اللغة العصرية
23 - كلمات كوكبية
24 - القدرة على اصطناع الكلمات الأجنبية
25 - أوجدين والإنجليزية الأساسية
26 - التفسير الاقتصادي للغة والأدب العربيين
27 - اللغة العربية في مدارسنا
28 - الخط اللاتيني
29 - التيسير، التيسير
Halaman tidak diketahui
30 - ثقافة إقطاعية وأدب إقطاعي
31 - حاجتنا الحتمية إلى الحروف اللاتينية
32 - المؤلفون المصريون يؤلفون بالإنجليزية
33 - الكلمات اللاتينية والإغريقية في لغتنا
34 - نحو التوحيد
35 - تلخيص
البلاغة العصرية واللغة العربية
البلاغة العصرية واللغة العربية
تأليف
سلامة موسى
Halaman tidak diketahui
الإهداء
إلى الأستاذ أحمد أمين
أهدي هذا الكتاب إليك لأنك أنت الذي أوحيت إلي من حيث لا تدري بتأليفه.
مقدمة
كلنا نكتب الآن عن اللغة، وكلنا نشعر بخطورة هذا الموضوع؛ لأننا انتهينا بما نعرفه من اللغات الأوروبية، إلا أن تأخرنا اللغوي في مصر هو سبب من أعظم الأسباب لتأخرنا الاجتماعي، وقد كان الثقاب الذي أشعل هذا الموضوع في وجداني، وبعثني على تأليف هذا الكتاب؛ مقالا نشره الأستاذ (أحمد أمين) في مجلة الثقافة، أوضح فيه أن معاني الكلمات تتغير حين يتغير الزمان والمكان؛ أي حين يتغير المجتمع الذي تستعمل فيه الكلمات، ويمكن للقارئ أن يعيد هذا الكتاب شرحا وتعليقا، وتوسعا في معاني هذا المقال.
واللغة المثلى هي: التي لا تلتبس كلماتها، ولا تنساح معانيها، ولا تتشابه عن بعد أو قرب؛ بل هي التي تؤدي المعاني في فروق واضحة كالفروق بين رقمي 5 و6. ثم هي اللغة الثرية الخصبة، التي يحتاج إليها المتمدنون؛ بل هي التي تتسع أيضا لاختراع الكلمات الجديدة، التي تتطلبها الحاجات النامية المتزايدة لهؤلاء المتمدنين.
وفي مصر طبقة من الكتاب حاولت، ولا تزال تحاول، استخدام اللغة العربية وسيلة من الوسائل الأدبية؛ لاسترداد الأمس. بل إن عندنا من اللغويين من يتحدث عن اللغة العربية كما يتحدث المستشرقون الأوروبيون عن اللغة السنسيكريتية، ولكن مع فرق أصيل، فإن هؤلاء لا يحاولون إحياء الميت من الكلمات السنسيكريتية، ولكن أولئك يحاولون هذا الإحياء للكلمات العربية، حين كان يجب عليهم، لو كانوا على وجدان بالعصر الحديث، أن يدفنوها، ومعظم هذه الطبقة يتألف من معلمي اللغة العربية في مدارسنا.
وليس في هذه الدنيا شيء هو أثمن من اللغة الحسنة؛ لأننا نفكر، وننبعث بالكلمات، وسلوكنا في البيت، والشارع، والحقل، والمصنع هو قبل كل شيء سلوك لغوي؛ لأن كلمات اللغة تقرر لنا الأفكار، والانفعالات، وتعين لنا السلوك كما لو كانت أوامر، بل نستطيع أن نقول: إن سيادة البريطانيين على الهنود، أو المتمدنين على المتوحشين، هي إلى حد ما سيادة لغوية؛ أي: مجموعة خصبة وافية من كلمات المعارف، والأخلاق، تحدث براعة في الفن، وتوجيها في السلوك، يؤديان إلى السيادة، وأحيانا إلى العدوان.
وحين تحرم لغتنا من كلمات الثقافية العصرية، تحرم أيضا الأمة المعيشة العصرية. فنحن مازلنا نعيش بكلمات الزراعة، ولم نعرف كلمات الصناعة؛ ولذلك فان عقليتنا عقلية قديمة، جامدة، متبلدة، ترجع إلى الماضي حتى إننا نؤلف في ترجمة معاوية بن أبي سفيان في الوقت الذي كان يجب أن نؤلف فيه عن هنري فورد، عبرة الصناعة في عصرنا، أو عن الذرة وعبرتها للمستقبل.
والدعوة إلى لغة عصرية هي في صميمها دعوة إلى المعيشة العصرية؛ لأن الكاتب، حين يستبيح اعتناق الكلمات العلمية كما هي بلا ترجمة، إنما هو في الواقع يستبيح حضارة العلم، والمنطق، والرقي، الصناعي، بدلا من حضارة الآداب، والعقائد، والزراعة.
Halaman tidak diketahui
وواضح أن اللغة هي: ثمرة المجتمع الذي يتكلم أفراده بها، ولكن المجتمع أيضا هو ثمرة اللغة التي تعين لأفراده بكلماتها سلوكهم الذهني، والعاطفي. وقد ألتفت إلى عبارة قالها الأستاذ (عباس محمود العقاد) بشأن الاشتراكيين في مصر لها مناسبة هنا. إذ هم يدعون - على غير ما يحب - إلى اللغة العامية. وقد حسب عليهم هذه الدعوة في قائمة رذائلهم؛ لأنه يعتز بفضيلة اللغة الفصحى، ويؤلف عن خالد بن الوليد، أو حسان بن ثابت، ولكنه غفل عن التفسير لهذه الظاهرة الاجتماعية، وهي: أن الاشتراكيين شعبيون، يمتازون بالروح الشعبي، ويعملون لتكوينه، وهم لهذا السبب أيضا مستقبليون، وليسوا سلفيين؛ ولذلك يحملهم احترامهم للشعب على إيثار لغته الحاضرة على لغة السلف، وفي حين هو سلفي الذهن في لغته، وأسلوبه، وتفكيره، وسلوكه، وليس الأستاذ العقاد وحيدا في هذه السلفية؛ لأني أعتقد أن 90 بل ربما 99 في المائة من كتابنا سلفيون، وهذه السلفية هي نتيجة لحرمان الأمة من الرقي الصناعي، وقصرها على الزراعة. وعرقلة، بل عرقبة، كل تقدم صناعي حاولته الأمة في السنيين الستين الأخيرة؛ لأن المجتمع الصناعي كان جديرا بأن يحدث مجتمعا مستقبليا، يكتب مؤلفوه بلغة الشعب، وتنتقل اهتماماتهم الذهنية من التأليف عن قدماء العرب، إلى التأليف عن مشكلاتنا العصرية في الأخلاق، والتعليم، والاقتصاد، ومكافحة الفاقة، وإني بالطبع لا أغفل هنا ارتباط اللغة بالتقاليد، والعقائد، وأن هذا الارتباط؛ من أسباب الكراهة للتطور اللغوي، أعني: أن العقلية الكلاسية في اللغة، عقلية التقاليد التليدة، قد أحدثت لنا مزاجا أدبيا اجتماعيا هو: النظر إلى الماضي، ومحاولة استرداد الأمس، والتبلد والتجمد، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى أن نشق طريقنا إلى المستقبل.
وهذه هي إحدى الغايات التي قصدت من تأليف هذا الكتاب، ولكن هناك غايات أخرى، فإني أردت أن أصل بالقارئ إلى تصور جديد للغة من حيث نشأتها، وتكونها إلى نضجها، وما تحمل من رواسب تاريخية قد تعود علينا بالضرر؛ لأنها كانت تخدم مجتمعا ربما كانت فضائله معدودة بين الجرائم في سلوكنا العصري. كما أني ألتفت إلى الضرر الفادح الذي لحق بتفكيرنا حين نستعمل كلمات ليست محكمة المعنى؛ فلا تنعقد الصلة الحسنة بها بين الكاتب والقارئ، وهذا كثير في لغتنا، وهو عقبة في التفكير العلمي الدقيق، ولم أنس أن أنبه القارئ إلى أن بلاغتنا التقليدية التي تعلم لطلبتنا في المدرسة، والجامعة، هي بلاغة الانفعال، والعاطفة في الوقت الذي نحتاج فيه إلى تأكيد المنطق، والعقل، كما أني توسعت في شرح المعنى الذاتي، والمعنى الموضوعي للكلمات، وهذا موضوع تخصب فيه الالتباسات، والشبهات في المجادلات السياسية أو العقدية أو الاجتماعية.
وقد مسست بعض الإصلاحات المقترحة مثل: إلغاء الإعراب، واتخاذ الخط اللاتيني. وأكثرت من المقارنات بين لغتنا واللغة الإنجليزية؛ لكي أبرز للقارئ عيوب لغتنا وإرهاقها للمتعلمين بقواعد وتقاليد لم تعد لها فائدة، وبديهي أنه لو تفشى النظام الصناعي في مصر؛ لاستتبع ثقافة علمية وأدبا مستقبليا، وعندئذ يأخذ «التميع» في اللغة مكان «التجمد»؛ لأن جميع الظواهر الاجتماعية تنهض على أساس من النظام الاقتصادي، واللغة إحدى هذه الظواهر.
ونحن بالطبع آخذون في تعميم الصناعة في بلادنا، على الرغم من العرقلة، بل العرقبة، التي تلاقيها مصانعنا من أولئك المسيطرين الذين يرون أنه لا يجوز لنا أن نعيش على هذا الكوكب إلا مزارعين، وفلاحين ننتج القطن رخيصا وفيرا ولكن ليس من المعقول أننا الذين تنبهنا وأصبحنا على وجدان بالرقي العصري، نسكت ونقول: دعنا من الكلام في رقي اللغة حتى يعم النظام الصناعي، وهو الكفيل بالتغيير المنشود؛ إذ يجب أن نساعد على هذا الرقي بتجديد اللغة. وحسبنا من هذه المساعدة أن نشخص الداء، ونومئ إلى الدواء، وننبه الغافلين، وننصح للمعاكسين وأعظم هؤلاء المعاكسين هم: الذين تخصصوا في درس اللغة العربية، مثل: خريجي دار العلوم؛ فإن تخصصهم هذا قد حال بينهم وبين دراسات بشرية عديدة؛ فضاقت آفاقهم وصاروا ينظرون إلى لغتنا كما لو كانت إحدى اللغات المتحجرة في المعابد ، لا ينبغي تغيير كلمة أو حتى أسلوب التعبير فيها أو خطها.
زد على هذا أنهم قد أصبحوا طبقة لهم وضع اقتصادي، ووجدان طبقي ينهضان استبقاء اللغة العربية في جمودها الحاضر؛ ولذلك يخشون التغيير، ويرون فيه هجوما على مصالحهم الاقتصادية، ولكن يجب أن نذكر أن مصلحه الأمة يجب أن تعلو على مصالح أية طبقة فيها.
وظني أنه حتى هؤلاء، سيجدون في هذا الكتاب أفقا جديدا يتجه إليه تفكيرهم.
وحسبي من تأليف هذا الكتاب التنبيه، ثم المناقشة، ثم العمل.
س. م
12 مارس 1945
راجعت في مارس من 1953 هذا الكتاب، فزدت فيه فصلا عن «علاقة اللغة بالجريمة والجنون». وأصلحت هنا وهناك بما اقتضته الظروف، كما زدت فيه شروحا وتعليقات.
Halaman tidak diketahui
س. م
تمهيد
أعظم المؤسسات في أية أمة هو لغتها؛ لأنها وسيلة تفكيرها، ومستودع تراثها من القيم الاجتماعية، والعادات الذهنية.
واللغات تتفاوت؛ فهي: مجموعة صغيرة من الكلمات قد لا تزيد على ثلاثمائة كلمة عند إحدى القبائل البدائية، وهي قد تبلغ مائة ألف كلمة عند أمة متمدنة قد ارتفعت فيها الفنون والعلوم.
واللغة الراقية هي: علم، وفن، وفلسفة بمعنى أنه يمكننا أن ننظر إليها النظر العلمي، فنبحث أصولها، ونميز بين معانيها، بل نضع الكلمات الجديدة لتأدية المعنى الجديد، ويمكننا أن ننظر إليها النظر الفني؛ فننشد بالكلمات، والجمل رفاهية ذهنية لا تؤديها الدقة العلمية، وكذلك يمكننا أن ننظر إليها النظر الفلسفي؛ فنضع الكلمات الجديدة، أو نكسب الكلمات القديمة معاني جديدة تؤدي بعد ألفتها في المجتمع إلى حال منشودة من الخير.
وغاية اللغة قبل كل شيء هي الفهم، ولم نصل بعد إلى اللغة المثلى، بل نحن لا نكاد نعرف كيف تكون؛ إذا جعلنا الفهم أول غاياتها، فقد وصلنا في العدد إلى الأرقام الهندية؛ فكانت أعظم خطوة لغوية في الحساب والعلوم، فهل نستطيع يوما أن نصل في سائر الموضوعات إلى لغة تنقل إلينا الفكرة الفنية أو العلمية أو الفلسفية بمثل الدقة والسهولة اللتين ننقل بهما إلى أذهاننا عدد الألف، أو المليون؟
وإلى أن نصل إلى هذه الغاية ستبقى اللغة عاجزة عن التعبير الدقيق؛ إذ يجب أن نذكر من الآن أننا لا نعرف الدقة التامة في أي علم من العلوم؛ إلا إذا استطعنا أن ننزل بحقائقه إلى الأرقام، ولذلك لا مفر من أن نقول: إن الرقي في اللغة يعني الدقة، وهو يقاس بها، فما دامت الكلمة مسيبة في المعنى، تحتمل هذا المعنى ونصفه، فضلا عن معنيين مشتبهين؛ فإنها تضر التفكير كالآلة التي لم يحكم بناؤها؛ فلا يمكن التكهن بمنتجاتها.
والإنسان حيوان لغوي يرى ويسمع، ويفكر باللغة، ولكل كلمة إيحاء معين في أذهاننا ففي مصر نقول: «وزير» وفي الولايات المتحدة الأمريكية يقولون: «سكرتير»، والعمل الذي يؤديه الوزير، والسكرتير واحدا، ولكن إيحاء الكلمة الأولى أرستقراطي، وإيحاء الكلمة الثانية ديمقراطي، ولهذا أثره البالغ في الشعب الذي يلوك إحدى الكلمتين، كما له أيضا أثره البالغ في نفس الموظف الذي يصف نفسه بأنه سكرتير أو وزير، فهو متواضع في الحال الأولى، منتفخ في الحالة الثانية.
وللكلمات توجيه اجتماعي بعيد الأثر في المجتمع فإن كلمة «البر» من أشرف الكلمات الموحية التي تربي الأبناء، وتبعث على التعاون، والإخاء في حين أن كلمة «الدم» تحدث في كل عام في بعض مديريات الوجه القبلي نحو ثلاثمائة قتيل؛ لأنها تحمل شحنة عاطفية تجعل كثيرا من الرجال يقتلون بلا روية.
والكاتب المتنبه الذي يحس الوجدان الاجتماعي يجب أن يؤكد المعاني البارة للأمة، وأن يضع الكلمات الجديدة؛ كي توجه التوجيه الفلسفي أو الاجتماعي وبذلك تنمو اللغة وتتطور ولا تركد.
Halaman tidak diketahui
واللغة في تفاعل لا ينقطع مع المجتمع الذي ينطق أفراده بها. والقيم اللغوية في تغير دائم لهذا السبب، والمحاولة لوقف هذا التغير، هي تعطيل للتطور الذهني للأمة.
ومن الغايات الشريفة لكل لغة: الاقتصاد في التعبير فاللغة الحسنة تتوخى المترادفات؛ لأنها ثرثرة صبيانية يضيع بها الوقت، والكاتب الذكي يحيل المترادفات من التوحيد إلى التنويع فنحن نميز الآن بين الذهن والعقل، وبين الروح والنفس، وبين الحكومة والدولة، وبين المثقف والمتعلم، وهذا حسن. كذلك نحن نتبع الأسلوب التلغرافي، ونتخير الكلمة التي تحمل العبرة فضلا عن المعنى .
وهذا الكتاب قد توخيت فيه بحث بعض مشكلاتنا اللغوية مع تعيين الأهداف التي نرمي إليها من اللغة، وأرجو أن أبعث به المناقشة عن القيم اللغوية العربية، ووجوه الإصلاح فيها بالبناء والهدم فنحن أمة متطورة، فيجب أن تكون لنا لغة متطورة، بل لغة متمدنة تتسع للتعبير عن نحو مائة وعشرين علما وفنا لم يكن يعرفها العرب الذين ورثنا عنهم لغتنا، ويجب أن يتغير رأينا في البلاغة عما ألفوه؛ فأنهم كانوا يقصدون منها إلى أنها فن لمخاطبة العواطف، ولكنا يجب أن نزيد على هذه الغاية غاية أخرى، هي أن تكون البلاغة علما يراد به مخاطبة العقل؛ لأننا نعرف أن الحضارة التي نعيش في أحضانها قامت على الأرقام الهندية التي تخاطب العقل في دقة وبساطة أكثر مما قامت على الاستعارات، والمجازات التي تخاطب العاطفة في إغراق ومترادفات.
وكلمات اللغة هي بمثابة النقود التي نتعامل بها، وكثيرا ما يكون فيها النقد الزائف، أو القديم الذي بلي وانمسح منه نقشه، والأمة التي تهمل كلماتها ولا تجددها ولا تسك الكلمات الجديدة؛ هي أخسر من الأمة التي تجيز التداول للنقد الزائف؛ لأننا نشتري بنقود المعدن أو الورق حاجات الجسم ولكنا نشتري بالكلمات حاجات الذهن والروح والأخلاق والرقي.
الفصل الأول
اللغة والتطور البشري
هناك أسباب كثيرة لتطور الإنسان الذي وصل به إلى السيادة على سائر الحيوان؛ فإن ضخامة دماغه قد أعدته للتفكير السديد، ثم قامته المنتصبة قد حررت يديه؛ فجعلته يحمل الآلات، ومن ثم صار تفاعل بين العقل واليد، الأول يتخيل ويخترع، والثانية تتناول وتنفذ. ثم هناك العينان في الوجه، وليس في الصدغين كما في سائر الحيوان، فإنهما تشرفان على مجال فسيح يجمع بين أشياء كثيرة، ويجعل العقل قادرا على المقارنة والتمييز.
ولو كان دماغ الإنسان صغيرا لما قدر على التفكير، ولو كانت يداه على الأرض يمشي بهما لما قدر على تناول الآلات والأشياء؛ ولو كان اعتماده على الشم بدلا من النظر؛ لصغر المجال الذي يشرف منه على الوسط، فما كان عندئذ يجد المادة للتفكير الجامع التعميمي.
فالدماغ واليد والعين كلها تجمعت وتعاونت لرفع الإنسان فوق الحيوان، ولكن هناك عاملا آخر كثيرا ما يهمل هو: «اللغة» فإن الإنسان - قبل كل شيء - حيوان لغوي، وللحيوان صوت ولكن للإنسان لغة، وفرق عظيم بين الاثنين؛ فإن الحيوان عندما يتألم أو يخاف يصرخ، والصراخ هنا ذاتي يعبر عن إحساسه، ولكن الإنسان عندما يصرخ، والصراخ هنا ذاتي يعبر عن إحساسه، ولكن الإنسان عندما يتألم أو يخاف ينادي فهو هنا موضوعي قد نقل إحساسه إلى غيره من زملائه، ومع هذا لا يزال حتى الصراخ غير عام بين الحيوان وقت الخوف أو الألم، فإن السباع وحدها هي التي تصرخ، كما نرى في القطط والكلب والأسد، أما البهائم مثل البقر أو الحمير أو الخراف فلا تصرخ عندما تتألم أو تخاف.
ولكن يجب ألا ننسى إن الصراخ ذاتي، أما النداء فموضوعي، الأول عاطفة كله والثاني عاطفة وعقل. الأول حركة عقيمة لا تتحيز غير مكانها، أما الثاني فدعوة إلى المجتمع.
Halaman tidak diketahui
والحيوان لعجزه عن اختراع اللغة لا يختزن تفكيره ولا ينتفع لهذا السبب بتفكير آبائه أو زملائه، ولكن اللغة عندنا جعلت الزمن تاريخيا والفضاء جغرافيا، فالكلب الذي يعيش في القاهرة يعرف الشارع الذي به منزله وبضعة شوارع أخرى، ولكن الصبي يعرف «جغرافية» القاهرة ومكانها في القطر ومن النيل، بل مكانها على كوكبنا فالفضاء عنده جغرافي بفضل هذه الكلمات: القاهرة، النيل، مصر، البحر المتوسط، أفريقيا، آسيا، إلخ.
وخيال الصبي لهذا السبب يتسع وتفكيره يمهر بهذه الكلمات التي ورثها من المجتمع الذي يعيش فيه، وكذلك الشأن في الزمن، فإن وقت الكلب هو ساعته أو يومه أما نحن فلنا أمس وغد، ولنا سنين ماضية وسنين قادمة ولذلك لنا تاريخ، ولولا الكلمات التي جعلت الزمن تاريخيا، والفضاء جغرافيا لما استطعنا أن نفكر ونختزن اختباراتنا، فضلا عن اختبار معاصرينا وأسلافنا؛ أي لما كان لنا ثقافة، والحيوان ينتفع باختباراته الشخصية التي مرت به في حياته ولكنا نحن، بفضل اللغة، ننتفع باختبارات غيرنا في العصور الماضية والعصر الحاضر.
وتفكيرنا يمتاز عن تفكير الحيوان بالذكاء؛ لسبب عظيم يتصل بالأسباب التي سبق فذكرناها، نعني أننا نفكر بالكلمات، وصحيح أننا نستطيع التفكير الساذج البدائي بلا كلمات، كما يحدث في الأحلام، ولكن التفكير الذي تتداخل فيه العوامل وتنبسط ساحته؛ يحتاج إلى كلمات، ويكاد يكون من المستحيل أن نفكر بذكاء أو منطق في أي موضوع بلا كلمات.
وليس بعيدا أن يكون التفكير في صميمه كلمات غير منطوقة، كما يقول «واطسون»، واعتقادي أننا ننسى اختباراتنا في السنتين الأوليين من أعمارنا؛ لأننا لم نربط هذه الاختبارات بكلمات تجعل التفكير فيها ممكنا؛ لأنها لم تنقش في الذاكرة بكلمات.
وكثير من التفكير الحسن - بل أحيانا من العبقرية - يعود إلى أن اللغة التي نستعمل كلماتها قد بلغت من الرقي درجة عالية؛ لأن الكلمات في هذه اللغة تحمل المعاني الأنيقة الدقيقة التي لا توجد في كلمات لغة أخرى مختلفة من لغات أفريقيا السوداء. فلو أن «جيته» ولد في قبيلة أفريقية؛ لما استطاع أن ينتج الثمرات الزكية التي نقطفها من مؤلفاته؛ لأن اللغة القبلية لم تكن عندئذ لتسعفه بالكلمات التي تؤدي معانيه، بل كانت تبقى هذه المعاني أجنة، تؤلمه بالمخاض ولا تجد المخرج من ذهنه، أو تخرج جهيضة.
ولكي نفكر التفكير الحسن، نحتاج إلى اللغة الحسنة؛ نعني: اللغة الدقيقة التي تؤدي معنى معينا، ولا تتجاوزه إلى هوامش المعنى، وكذلك يجب أن تكون أنيقة، لا تستطيع وصف الألوان الأصيلة كالأبيض والأسود فقط، بل تستطيع أن تنقل إلينا الظلال والأصباغ التي بينهما فليس من البلاغة أن نقول: إن الأخضر يطلق على الأسود، كما تقول معاجمنا، بل يجب أن نميز لونا من آخر تمييزا صارما، وكذلك يجب أن نضع الكلمات التي تعين الألوان الخفية بينهما، ويجب أن تكون لنا بلاغة عصرية لا تقتصر على مخاطبة العواطف بل تخاطب العقل، ويجب أن تكون غايتها الأولى الفهم، وما دام الأمر كذلك فإن المنطق هو: الأساس الأول لأية بلاغة يراد بها التعبير السديد.
ولكي تفهم الفهم الدقيق الأنيق - باعتبارنا متمدنين - يجب ألا نقنع بالمعنى الغامض المسيب، بل يجب أن نعرف الجو السيكلوجي الذي تعيش فيه كلماتنا، وهل هي تؤدي الغاية الأولى من وجودها، وهي: التفكير الحسن؛ أي الفهم، أم لا؟
الفصل الثاني
حين تربي الذئبة الإنسان
كثيرا ما كنا نسمع عن أطفال بشريين يعيشون مع الحيوان، وينشئون النشأة الحيوانية، وكنا نحمل هذه القصص على أنها نوع من الاختراع الذي لا يصدق، ولكن الواقع يثبت أن هناك أطفالا خطفتهم الحيوانات وقامت بتربيتهم؛ فنشأ هؤلاء الأطفال وعاشوا في الغابات.
Halaman tidak diketahui
والذئبة أقرب الحيوانات إلى اتخاذ مهمة الأمومة للطفل البشري؛ وسبب ذلك أنها تغزو القرى والحقول المجاورة، وأكثر ما يكون هذا في الليل، وأقله في النهار؛ فإذا وقعت على طفل في الحقل غفلت عنه أمه؛ حملته كي تأكله فإذا تلمس الطفل حلمات ضرعها ورضع تحرك حنوها؛ فعطفت عليه وأخذت عاطفة الأمومة والرعاية مكان عاطفة الجوع والأكل، وعندئذ ترعاه كأنه ابنها، ويتفق هذا في القليل النادر.
والمعروف أن الرضاع يثير في الأم حنانا لا تحسه قبله، ولذلك يقال: إن المرأة التي تريد أن تتخلص من وليدها عقب الولادة بقتله أو نبذه، إنما تفعل هذا قبل أن ترضعه؛ لأنها تحس حنانا عليه، فإذا أرضعته شق عليها الانفصال عنه وحنت عليه، وهناك حوادث تم تحقيقها، وثبت ثبوتا مؤكدا فيها أن الذئاب خطفت بعض الأطفال؛ فنشئوا في جحورها، وعاشوا مع الذئاب. ويمكن القارئ المطلع أن يقرأ كتاب المستر جيسل عن «طفل الذئاب وطفل الإنسان»
Wolf Child and Human Child; by A. Gesell .
فإن المؤلف كان يعيش في الهند في 1920 فسمع عن صبي بشري، يعوي عند الغسق مع ذئبته ويسلك سلوكها، وكان بالطبع لا يصدق هذه الإشاعة. ولكنه بعد تكرارها عمد إلى بندقيته وتعقب الذئبة إلى الجحر، فقتل الذئبة وقبض على صبيتين كانتا في حجرها، وكان هذا في 17 أكتوبر من 1920، وكتابه هو قصة هاتين الصبيتين ولنترك الصغرى منهما؛ لأنها ماتت بعد سنوات أما الكبرى، فيرجح المؤلف أنها ولدت في 1912 ولا يعرف متى خطفت، وكان المؤلف وزوجته يديران ملجأ، فوضعت الصبية فيه، وكان عمرها وقتئذ ثماني سنوات، فكانت في النهار تنام، أو تقعد ووجهها إلى الحائط فإذا جاء الليل نشطت وصارت تجري على أربع، يديها وركبتيها، وكانت تشرب الماء لعقا بلسانها من الإناء الذي تنحني فوقه، وتلعق منه كالكلب أو الذئب، ولم تكن تخشى الظلام، فإذا كانت ساعة معينة في الليل لا تتغير عوت عواء الذئاب، وإذا اقترب منها أحد؛ كشرت عن أنيابها. وكانت تفتش على الرمم وتأكلها، وكانت تحب جراء الكلاب وأطفال الماعز والقطط والفراخ وتلعب معها جميعا، ولكنها كانت تنفر من الأطفال البشريين.
قلنا إنه قبض عليها في 17 أكتوبر من 1920، ونقول إنها بقيت تمشي على أربع، بل تنهض على أربع إلى 24 مايو من سنة 1922، حين وقفت على قدميها بعد أن أغريت على ذلك.
وفي أغسطس من 1922 وقفت على ركبتيها وأكلت من الطبق بيديها بدلا من أن تأكل بفمها مباشرة، ولكنها ما زالت إلى هذا التاريخ تلعق الماء.
وفي نوفمبر من 1922 قالت «ما» لرئيسة الملجأ، وقالت أيضا «بهو. بهو» في طلب الماء، أو الطعام، ولم تكن قد نطقت قبل ذلك بكلمات مع أنها كانت تصرخ وتصيح.
وفي 10 يونيو من 1923 وقفت وحدها على قدميها بلا إغراء.
وفي 9 يناير من 1924 بدأت تخشى الظلام، وكانت أيام توحشها مع الذئبة تخشى النهار، وتختبئ، ثم تنهض في الليل، وتغزو الحقول، والقرى مع أمها الذئبة.
وفي 1925 شربت من كوب على الطريقة البشرية.
Halaman tidak diketahui
وفي 1926 بلغ مجموع الكلمات التي عرفتها ثلاثين كلمة.
وفي 29 يناير من 1926 رفضت أكل الرمم.
وفي 6 ديسمبر من 1926 أبدت حياء، ورفضت الخروج من غرفة النوم بدون ثياب، وكان عمرها وقتئذ من سنة ولادتها 14 سنة، ومن يوم تركها للذئبة 6 سنوات.
وفي 14 يناير من سنة 1927 بلغت كلماتها 45 كلمة.
وفي 15 يوليه من 1927 بدأت تخشى الكلاب إذا نبحتها.
وفي 14 نوفمبر 1929 ماتت وعمرها نحو 17 سنة. •••
ولنا في حياة هذه الفتاة الهندية المخطوفة عبرة، بل طائفة من العبر ...
العبرة الأولى:
أن السلوك يستقر في السنوات الأولى من الطفولة، ربما كانت السنوات الأربع أو الخمس أو الست. وأننا بعد ذلك يشق علينا إلى ما يقارب الاستحالة أن نغير هذا السلوك؛ ونعني بالسلوك: الاستجابات العاطفية التي ينشأ عنها تصرفنا.
والعبرة الثانية:
Halaman tidak diketahui
أن ما نسميه طبيعة وغريزة، إنما هو في أحوال كثيرة تعليم وقدوة، حتى المشي ننساه إذا عشنا مع ذئبه، بل يذكر المؤلف أن هذه الفتاة عندما قبض عليها كانت قد برعت في المشي على أربع حتى كانت تسبق المطاردين لها من البشر!
والعبرة الثالثة:
أن أسلوبنا الذي نتخذه في المشي، والخوف، والأكل، والشرب والغضب ... كل هذا مكتسب بالوسط، وليس وراثيا.
والعبرة الرابعة:
وهذا هو الذي قصدنا من هذا الفصل: أن اللغة هي التي تعين لنا السلوك، والتصرف البشريين؛ فإن هذه الفتاة قبض عليها وهي في الثامنة، فاحتاجت إلى سنتين كي تقول «ما» للرئيسة، ولكي تقول «بهو، بهو» في طلب الطعام والشراب، وبدأ ذكاؤها عندئذ يتفتق، فكان استظهار الكلمات ترافقه تغيرات في السلوك، وهذه التغيرات تدل على حركات ذهنية بين الفتاة، والوسط.
فإذا كان أحدنا يعيش في غابة، أو صحراء منفردا بلا لغة؛ فإن ذهنه لن يتفتق؛ بل يبقى مغلقا مثل هذه الفتاة الهندية من حيث الاعتبارات البشرية، ولم تكن هذه الفتاة جاهلة من حيث الاعتبارات الذئبية، ولكن ذهنها كان عاطلا عندما قبض عليها وعمرها ثماني سنوات وبقي عاطلا، أو كالعاطل، إلى أن ماتت بعد أن بلغت 17 سنة؛ لأنها لم تحصل إلا على 45 كلمة؛ أي مقدار ما يمكن أن يعرفه أبله. فهي من حيث الذكاء الطبيعي ربما لم تكن ناقصة، ولكن من حيث تفتق هذا الذكاء كان النقص واضحا، وأكبر أسبابه أنها كانت خرساء لا تعرف الكلمات البشرية التي تحمل إليها العواطف والأفكار البشرية، ومع أنها قضت في عشرة البشر سبع سنوات، فإن ذهنها لم يتفتق إلى الدرجة التي كان يبلغها الطفل في هذه السن؛ لأن الطفل يولد ولوحة ذهنه مسحاء تتقبل التعليم الجديد، ولكن هذه المسكينة التقت بالبشر، ولوحة ذهنها حافلة بالعواطف التي بعثتها فيها عشرة الذئاب، ومن هنا صعوبة تعلمها.
واللغة هي التي تجعل الزمن تاريخيا والفضاء جغرافيا، وهذه الفتاة حرمت اللغة فحرمت بذلك الفهم، وشرعت تفهم السلوك البشري وتمارسه بدلا من السلوك الحيواني حين تعلمت الكلمات، وكانت كل كلمة جديدة تعين لها فكرة جديدة، أو عاطفة جديدة، ثم سلوكا جديدا.
الفصل الثالث
الأنثربولوجية واللغة العربية
كان يمكن أن أستغني عن هذا الفصل في هذا الكتاب، ولكني أعالجه في سرعة وإيجاز؛ كي أجعل القارئ يألف الطريقة ويدخل في المزاج اللذين تتألف منهما اللغات، بل ترتقي.
Halaman tidak diketahui
فإن الكلمات أصوات نشأت بين البرمائيات كالضفدع؛ كي ينادي الذكر الأنثى، وكانت غايتها الأولى لهذا السبب جنسية، بل ما زلنا نرى أن أغاريد الطيور التي ينضع بها الجو في الربيع إنما يقصد بها - في الأغلب - نداء الجنس الآخر للتناسل، والصوت يعبر عن العاطفة؛ ولذلك يجب ألا نستغرب قول «فرويد»: إن الباعث الأول للنشاط البشري هو الشهوة الجنسية، ويجب ألا يصدمنا هذا القول؛ لأن فرويد قد بصر من خلال هذا القول إلى الجذور الأولى التي تختفي في جوف التطور ومهما تنتشر الفروع وتبسق في السماء فإن جذورها لا تزال في الأرض.
ولغتنا العربية مجموعة أو خليط من كلمات الحضارة والبداوة، بل الغابة الأولى حين لم يكن يعرف الإنسان الزراعة، أو الصناعة، انظر مثلا إلى كلمة «كخ» التي تعم جميع البشر في نهي الطفل عن شيء فأنا وأنت، والقردة، والإنجليز، والألمان، والصينيين، والهنود، والإغريق إلخ سواء في هذه الكلمة التليدة.
نشأت لغتنا كما نشأت جميع اللغات في الأوساط البدوية الأولى، وكان استنباط المعاني يجري وفقا للوسط، ونستطيع الآن - بتحليل الكلمات والرجوع إلى أصولها القديمة - أن نعرف العقائد، والقواعد الاجتماعية التي كان يعيش أسلاف العرب فيها. انظر مثلا إلى كلمة «الحياة» فإنها مشتقة من «الحيا»؛ أي عضو التناسل عند المرأة، وما زال الفلاحون عندنا يقولون «حيا البقرة» أو «حيا الفرس» ذلك أن الإنسان البدائي لم يكن يعرف أن علاقة الرجل بالمرأة تؤدي إلى التناسل، فكان يعتقد أن الأم هي الأصل الوحيد للأولاد، بل إنه كان يصنع التماثيل «للحيا» ويحملها، باعتقاد أن الحيا أصل الحياة، وأنه ما دام يحمل تمثاله؛ فإنه سيعيش وينجو من المخاطر، وعلى هذا الاعتقاد بأن الأم هي كل شيء؛ صار النظام الاجتماعي عند الإنسان البدائي أمويا، وهذا واضح عند قدماء العرب، ويتضح أكثر عندما نعرف أصل كلمتي «الضمد» أو «الحماة».
وتطور الناس، وانتقلوا من النظام الأموي إلى النظام الأبوي، ولكن بقيت في لغتنا «الحياة» تدل على أصولنا وجذورنا الاجتماعية.
ثم من «الرحم» اشتق الناس الرحمة؛ أي أن الرحمة كانت في الأصل العلاقة القائمة بين أبناء الرحم، وهذه الكلمة تدلنا على أن النظام الأموي سبق النظام الأبوي، ثم ارتقى الناس؛ فصارت الرحمة فضيلة عامة بين أبناء القبيلة، أو الأمة كما اشتققنا نحن الإخاء البشري من الأخوة بين أبناء العائلة.
وكذلك عرف الإنسان البدائي الروح من الريح والنسمة من النسيم، والنفس من النفس (بفتح الفاء)؛ لأن الفارق الوحيد عنده بين الحياة والموت لم يكن أكثر من التنفس فإذا انقطع كان الموت، ومن هنا نشأت عقيدة الروح، وهذه الكلمات - وكثير غيرها - تكشف لنا اللبنات الأولى التي تكون بها أساس اللغة العربية، ولكل كلمة منها معنى (أنثربولوجي) يوضح لنا نشأة الأفكار والعقائد.
فنحن في عصرنا نميز مثلا بين الأسود والأزرق والأخضر، ولكن معاجمنا لاتزال تحتفظ بالمعنى القديم لهذه الألوان، وهي أنها لون واحد، ويشارك العرب معظم الأمم البدائية في اشتقاق الملاحة، بمعنى الظرف، والصباحة، من الملح؛ لأن الملح كان من الأشياء الثمينة التي لم يكن يحصل عليها غير المترفين.
وأعتبر أيضا اشتقاق المساعدة من الساعد؛ لأن المساعدة تعني أن أحدا يستعمل ذراعه في خدمتنا وأعتبر الأنفة من الأنف، والشمم من الشم؛ لأننا حين نأنف من شيء نرتفع بأنوفنا، أو انظر كيف اشتقت المعاقبة من التعقب؛ لأن الإنسان البدائي كان يعاقب خصمه بأن يتعقبه حتى يجده ويثأر منه، وما زالت معاجمنا تقول: «تعقبه: تتبعه وأخذه بذنب كان منه.» أو انظر إلى كلمة «كف» بمعنى منع؛ فإنها مشتقة من الكف؛ أي باطن اليد؛ لأننا نمنع الناس بأيدينا؛ أي بكفوف أيدينا، والكفيف سمي كذلك؛ لأنه بمثابة من يضع كفه على عينيه.
ثم انظر إلى فعل «أحصى» بمعنى عد؛ فإنه مشتق من الحصى؛ أي صغار الحجر. وذلك لأن الإنسان البدائي كان يجهل العد بالأرقام؛ فكان إذا شاء مثلا أن يعرف ما عنده من خراف؛ وضع في جعبته عن كل خروف حصاة؛ فإذا شاء العد أخرج حصاة عن كل خروف، وحسبه هذا، وقد اشتق الرومان الحساب والعد على هذه الطريقة نفسها - كما نرى في الفعل الإنجليزي «كالكيوليت
Calculate » بمعنى حسب من «كالكيولس
Halaman tidak diketahui
Calculus » بمعنى الحصاة، أو الحجر.
والمشهور أن لغتنا في أصلها ثلاثية الحروف، ولكن الأغلب أنها كانت ثنوية؛ أي: أن كلماتها كانت من حرفين فقط، فها هنا أربع وعشرون كلمة تدل على معان متقاربة، وهي: أن شيئا قد خرج من شيء. وهي: نبأ، نبت، نبث، نبح، نبذ، نبر، نبس، نبش، نبض، نبط، نبع، نبغ، نتأ، نتح، نثر، نثل، نفث، نفخ، نفذ، نفر، نغض، نفط، نط، نطق.
وهذه الكلمات مترادفة في معنى الشيء يخرج من شيء آخر، ولكن من مصلحة اللغة والفهم، أن نعين لكل منها معنى يختلف عن الآخر، وهذا هو ما قضى به منطق اللغة والتمييز الذهني.
ومن هذا الفصل الموجز يتضح لنا أن كل لغة إنما هي: بمثابة المصنع الذي يعيش في عصرنا، ومع ذلك يجمع في مستودعاته فأسا من الحجر كانت تستعمل قبل ثمانية آلاف سنة، وإبرة من الشوك كان أسلافنا يستعملونها قبل مائة ألف سنة، وسيفا من البرونز كان يستعمل قبل أربعة آلاف سنة، وبين مصنوعات أخر مثل: الرديوفون، والمصباح الكهربائي، والسولفانيلاميد ... إلخ. ومن هنا بدأ هذا الارتباك الذهني الذي يؤدي إلى قله الفهم، أو اختلاطه؛ ذلك لأننا نستعمل أدوات قديمة كي تؤدي لنا خدمات جديدة.
الفصل الرابع
اللغة والسيكلوجية
الحق أن هذا الكتاب بجميع فصوله هو: بحث سيكلوجي في القيم اللغوية. وإذا كان هذا يجرنا إلى أبحاث أخرى اجتماعية، أو تاريخية، فإن الغاية الأولى يجب أن تبقى ماثلة، وهي: أننا ننظر إلى اللغة من خلال العدسة السيكلوجية.
ولم تعط اللغة سوى القليل من حقها من الدراسة السيكلوجية إلى الآن. وصحيح أن الرغبة في الدعاية قد حملت قليلين على هذه الدراسة في اللغات الأوروبية، ولكن الموضوع لا يزال في أولياته، وهو بكر في اللغة العربية.
وقيمة اللغة في التفكير وفي السلوك لا تزال إلى حد كبير مجهولة، والعجب أننا لم نلتفت من قبل إلى أننا نفكر بالكلمات، وأننا لا نعرف حقائق الأشياء التي نتناولها بالذهن أو باليد، وإنما نعرف أسماءها فقط. وكثيرا ما يختلط علينا الاسم والمسمى؛ فنظنهما شيئا واحدا مع أن الحقيقة هي أن الكلمات رموز للأشياء، والشبه بينهما وبين النقود كبير هنا فإن القرش قطعة من المعدن نرمز بها إلى قوة شرائية معينة، ولكن هذه القوة خاصة بنا نحن؛ أي بمجتمعنا، وليست خاصة بالقرش، من حيث إنه قطعة من المعدن.
وكذلك الشأن في الكلمات، فإنها رموز فقط. فإذا لم نتنبه إلى هذه الرمزية؛ فإننا نقع في ألوان من السخف، ونتورط في أنواع من المعاني التي قد تضرنا بدلا من أن تنفعنا، وتستبد بنا بدلا من أن نستخدمها، وكثيرا ما يحدث هذا لنا. فإن ما نسميه تفكيرا مثلا إنما هو - أو معظمه في أغلب الأحوال - كلمات تجري على المستوى العاطفي؛ فتؤدي إلى الانفعال بدلا من التفكير.
Halaman tidak diketahui
ومنذ نولد يتسلط المجتمع علينا بالكلمات التي نتلقنها منه؛ فننشأ وقد فرضت علينا مقاييس اجتماعية، وأخلاقية، وروحية من هذه الكلمات، ونجد أننا نسلك سلوكا معينا بما غرسته هذه الكلمات في أذهاننا من القيم، ونحن في هذا السلوك نعتقد أننا أحرار، ولكن الواقع أننا مقيدون بهذه الكلمات التي بعثت في أنفسنا انفعالات، وأكسبت أذهاننا فيما لا مفر لنا من التسليم بها؛ لأن هذه الكلمات قد تعلمناها من الصغر حين لم يكن الذهن قد نضج وتدرب على التساؤل، والنقد.
فنحن نسلم تسليما أعمى ولا نعترض على المعنى الذي تفرضه علينا الكلمة فنحن نقول: التشاؤم، والسماء، والروح، والحياة، والشرف، والوطن، والشجاعة إلخ، ولم يقف أحدنا قط ويسأل: ما هذه الأشياء؟ لأن جميع هذه الكلمات تحدث في أنفسنا انفعالا نظن أنه طبيعي لا يحتاج إلى التساؤل، أو اتخذت مقاييس ذهنية نعيش بها ونسلك في حياتنا على مقتضاها.
ونظن حين نستعمل هذه الكلمات أننا نفكر، والحقيقة أن التفكير هنا في حدود هذه الكلمات لا يتجاوزها، بل الواقع أننا لو شرعنا في التفكير السديد المحكم في إحدى هذه الكلمات؛ لهاج علينا المجتمع؛ وذلك أن هذا المجتمع قد ورث هذه الكلمات، وانتظم بمعانيها فهو يأبى على الفرد أن يستقل ويفكر منفصلا عنه؛ لأن هذا التفكير هو عندئذ هجوم على هذا المجتمع؛ أي: على عقائده، وعاداته الذهنية، وعواطفه النفسية، ولكل منا مجتمعه الذي يتأثر به، ويفهم معاني الكلمات كما اكتسبها منه فكلمة الشجاعة مثلا تحمل طائفة من المعاني تختلف باختلاف المجتمعات.
فالشاب في حلبة لمصارعة في ناد رياضي يفهم من الشجاعة معنى خاصا، والجندي في الجيش يفهم من هذه الكلمة معنى خاصا آخر يختلف عن المعنى الأول، وحين أقول: «شجاعة الأسد» التي تختلف أيضا عن المعنى الذي أقصده حين أقول: «شجاعة شهداء المسيحية»، أفهم معنى يختلف عما أعني حين أقول: «شجاعة سقراط»، ثم لا تنس شجاعة اللص الذي نشأ في عصابة تفتك وتغتال، ثم شجاعة ذلك الفيلسوف الذي يرفض القتال، ويرضى بالاعتقال؛ لأنه «عالمي»، ثم شجاعة الكاتب الذي لا يبالي الرأي العام إلخ.
والكلمات بذلك لا تكسبنا اتجاها أخلاقيا على «المستوى الذهني» فقط، بل تكسبنا أيضا اتجاها مزاجيا على «المستوى العاطفي»؛ فإن كثيرا مما نشمئز منه، أو نطرب له، أو ننشط إليه يعود إلى الكلمات التي تعلمنا وانغرست بها عواطفنا. وحسب القارئ أن أذكر له أن كثيرا من الرجال والسيدات في مصر يشمئزون من «الأنكليس» مع أنه مثل سائر السمك، بل يعد من أجوده؛ وذلك لأنه يسمى «ثعبان»، بل انظر إلى كلمة «بجعة» فإنها اسم شنيع لطائر يعد تحفة في الطيور؛ ولذلك لم يستطع شاعر عربي أن يستغل الطاقة الفنية في هذا الطائر؛ لشناعة اسمه مع أن اسمه في الإنجليزية والفرنسية جعل كثيرا من الشعراء الإنجليز والفرنسيين يذكرونه في أشعارهم، وكذلك يجب أن نذكر أن كثيرا من شعرائنا يذكرون «البلبل» بكثرة؛ لحلاوة اسمه فقط مع أنهم لم يروه قط ومع أنه ليس فيه شيء من جمال البجع.
وهنا لنا عبرة فإذا شئنا أن نعمم رأيا أو عقيدة؛ فلنختر لها اسما مغناطيسيا جذابا.
والخلاصة أننا نفكر بالكلمات، وكثيرا ما نخدع فنظن أننا نعالج الأشياء في حين أننا نعالج أسماءها فقط، ثم إن الكلمات تكسبنا اتجاها أخلاقيا، أو تكون لنا مزاجا فنيا، وأحيانا تحمل إلينا تقاليد هي رواسب الثقافة القديمة التي كثيرا ما تضرنا في مجتمعنا العصري، والفصول القادمة هي توسع في هذه المعاني.
الفصل الخامس
البيئة واللغة
الأصل في هذا الكتاب مقال نشره الأستاذ أحمد أمين في مجلة «الثقافة»، أشار فيه إلى أن الكلمات تتغير معانيها بتغير الزمن والبيئة، وجاء فيه:
Halaman tidak diketahui
إن اللغة تؤدي معانيها في دقة وإحكام في مواد العلوم كالرياضة والطبيعة والكيمياء، ومصطلحاتها مضبوطة قل أن يعتريها غموض، أو إبهام. وقريب من ذلك التاريخ، فاللغة قادرة على أداء معانيه وحمل رسالته أداء حسنا، وإن لم تبلغ في ذلك مبلغ العلم، فإذا نحن جاوزنا ذلك إلى الفلسفة، والأدب؛ رأينا اللغة مسكينة عاجزة عن أداء المعاني في وضوح وضبط.
وإحكام حتى المصطلحات من الصعب تعريفها وضبطها، فما أصعب أن تعرف «الوجود» و«الحقيقة» و«ما وراء الطبيعة» وما إلى ذلك، وما أصعب ما تعرف «الشعر» و«الأدب» و«الخيال» ونحوها، وكذلك في فروع الفلسفة والأدب، فمن الصعب تعريف «الجمال والجميل» و«الفضيلة والرذيلة» و«الزمان والمكان» و«العدل والحرية». ومن العسير تعريف «القصة والرواية والمثل» وما أكثر ما يقع الناس في الجدل والحجاج؛ لأن كلا يتكلم، وفي ذهنه معنى للشيء غير ما عند الآخر، ولو اتفقوا على التحديد؛ لاتفقوا على النتائج.
ولا أنسى حادثة رويت لي، وهو أنه من زمان أرادت حكومة العراق التعاقد مع الحكومة المصرية بالمراسلة والخطابات فكان الاتفاق مستحيلا؛ لأن كلتا الحكومتين كان لها معنى خاص في مصطلحاتها لا تفهمه الأخرى، ولم يتم الاتفاق حتى تمت المشافهة، والاتفاق على معاني المصطلحات، وسمعت محاضرة لفاضل عراقي في التربية، فثار جدل حول الموضوع تبين أن سببه الاختلاف في المصطلحات؛ فهم يطلقون اسم «المدارس الداخلية» على غير ما نطلق، ويسمون «الفصل» ما نسميه نحن بالسنة ، ويسمون «التوقيعات» ما نسميه نحن بالترقيات، ويسمون «مدارس الحضانة» ما نسميه نحن برياض الأطفال، وهكذا.
من أسباب وقوع الناس في الخطأ اللغوي: عدم دقتهم في الاستنتاج، فهناك عقول تستنتج من الجملة أكثر مما يلزم، وهناك عقول تستنتج منها أقل مما يلزم. وكلاهما خطأ إذا قلت: «إن الغول مرعب»، فاستنتجت منه أني أقول: «إن الغول موجود.» فقد أخطأت، واستنتجت أكثر مما يلزم؛ لأن الخيال قد يرعب، والوهم قد يرعب، ولو لم يكن الشيء موجودا، وإذا حدثتك عن فرس بأنه أشهب فاستنتجت أني أقول إنه موجود كان استنتاجك صحيحا.
ومن الناس من لا يفرق بين القضيتين وليس الأمر مقصورا على الجمل، بل دلالة الألفاظ على المعاني تختلف جد الاختلاف بين الأشخاص بحسب مدنيتهم وثقافتهم وعقليتهم، فإذا قلت: «كرسي» لم يكن معناه عند الفلاح القروي كمعناه عند المدني المتحضر، وكذلك الشأن في كلمات «بيت» و«دولاب» و«سرير»، وإذا قلت: «علم الحساب» فمفهومها عند الصانع المتعلم تعلما بسيطا ليس كالمعنى الذي يفهمه العالم بالرياضيات، وهكذا.
وهذا ما يجعل الناس، إذا اختلفت مدنياتهم وعقلياتهم وثقافتهم؛ لا يتفاهمون تفاهما صحيحا، ومن أسباب ذلك عدم دلالة الألفاظ على معان واحدة في الرموز المختلفة، ولا تصدق أن معاجم اللغة تستطيع أن تشرح دلالة الألفاظ شرحا تاما صحيحا، فكل كلمة هالة غير معناها الأصلي يعجز المعجم عن شرحها، فدنيا الأطفال التي تعين على شرح الألفاظ، غير دنيا الرجال، ودنيا الفلاح غير دنيا المتمدن، ودنيا الجاهل غير دنيا العالم، وكل يفسر الألفاظ حسب دنياه.
يتصل بهذا أن كل لفظ من ألفاظ اللغة يوحي بأشياء تختلف باختلاف الأشخاص حسب بيئتهم وتجاربهم في الحياة وغير ذلك، فكلمة أبيض توحي إلى الفلاح باللبن وقد توحي إلى الطفل بالسكر، وقد توحي إلى سكان البلاد الباردة بالثلج، وكلمة «وزير» توحي إلى الشرقيين بمعان غير ما توحي به عند الغربيين. وكلمة «العيد» توحي إلى الأطفال بمعنى الثياب الجديدة والأراجيح، وعند أطفال آخرين بالهدايا تهدى إليهم، وعند الرجال بالزيارات، والتهنئات إلخ.
وكلمة «البرلمان» و«نظام الحكم » توحي بمعان مختلفة في الأفراد المختلفة والأمم المختلفة، وهذا سبب آخر من أسباب الاختلاف بين الناس في الأفهام والفهم، فوحي الألفاظ عن الناس يختلف اختلافا كبيرا.
بل قد يكون اللفظ يوحي بمعنى عند الناس في عصر لارتباطه بحادثة أو نادرة؛ فإذا نسيت الحادث انقطع وحي اللفظ فمنذ سنين كانت كلمة «تعديل الأساس» و«ردم البرك» و«الحكم الصالح» تستثير منا الضحك؛ لإيحائها بمعان خاصة؛ فلما زال الإيحاء زال التأثير.
ولذلك أعتقد أنا فقدنا كثيرا من كتب الجاحظ وقطع الأدب الاجتماعي؛ لأن بعض ألفاظها وجملها كانت توحي بمعان معروفة، فلما تقادم الزمن جهلت، فبطل سحرها، وإن شئت فاقرأ رسالة «التربيع والتدوير» للجاحظ، وهي تدور حول السخرية من «أحمد بن عبد الوهاب» وتشعر بغموض في بعض الجمل والإشارات، وسبب غموضها أنها كانت إشارات إلى أشياء مفهومة في زمنها، ثم انقطع وحيها فغمض معناها.
Halaman tidak diketahui