Bakaiyyat
بكائيات: ست دمعات على نفس عربية
Genre-genre
الإنسان الإنسان عبر. لم يمض وحيدا. فسفينتنا عبرت معه للشط الآخر. حملت زاد الأحلام. وبقية نار تخبو تحت رماد الأيام، ماذا نملك بعدك إلا أن نتغطى بالآلام، أن نسأل روحك. يا روح الشعر! زوري أحبابك في ليل القهر، جودي بالمعنى والإلهام، مطرا يروي هذا الفقر، عودي. لا تنسينا، لا تتخلي، ففراقك مر، والوحدة بعدك في هذا القبر المأهول أمر، الإنسان الإنسان عبر، افترش الحصباء ونام، وتغطى بالآلام، فعليك سلام، وعليك سلام . •••
كيف رحلت يا أعز الراحلين، عن مجلس الرفاق والحديث ذو شجون، قد كنت أرجو أن أكون أول الذين يذهبون، كالظلل كالسحاب في سكون. فكيف أبكيك وليس لي بيانك المبين، والعمر قد تدلى من مشنقة الضياع والحنين، فارسنا الحزين، يا صوت جيلنا الممزق الطعين، يا أنضج الثمار في بستاننا الضنين، ودفئنا وشمعنا في عتمة السنين، ألن نراك بعد اليوم لن نعاين الجبين؟ والضحكة التي يضج فيها ألف فارس حزين، تمدنا بآية اليقين، ألن ترن بعد اليوم لن تطل من حدائق العيون؟ يا فرحنا وجرحنا الدفين، أي جنون غالنا أي جنون؟! •••
أرفض موتك يا من أحببت، كيف تغيب وأنت الحاضر ما فارقت؟ نبرة صوتك، ضحكاتك، لوعة نظرات من عينيك الواسعتين، شلال الحكمة يتدفق من قلبك فوق الشفتين، ومرارة سخرية تتحدى الموت. كيف يجوز عليك الموت؟ كيف أهادن كابوس الغدر الجاثم في «كنت»؟ كذب القائل ذات مساء أو ذات صباح: الموت غياب مطلق، وسن ممتد مطبق. أبدا لن تصبح لا شيء، فحضورك حي. دفء بين ضلوعي، جرح في قلبي، نور في عيني. لن تنقطع رسائلك إلي، وبأسرارك وإشاراتك ستظل تجود علي. رسمك معقود في عيني، صوتك مسموع في أذني. شخصك موجود وحواري ممدود معك إلى آخر نفس في. يا كأس لحظة بخمرة الخلود امتلأت، ووردة من شجر الليل نمت، ومن دموع الزمن الجريح أسقيت حتى ارتوت، يا زهرة من طينة السواد والأسى تفتحت، وبالندى تلألأت، لما تعرت للرياح والظلام والأشواك أدميت، مهما ابتعدت، فالبعاد لن يضيع نفحتك. «قد كنت عطرا نائما في وردتك، لم انسكبت؟»
انتظار
1
ها هو البيت وراءك. ما زالت رائحة الدخان والطعام وثرثرة النساء والرجال والضحكة الصافية من فم الطفلة البريئة تطاردك وتتشبث بثيابك. ما زالت الكتب فوق الرفوف، حجارة الألفاظ التي رجمك بها. وبقع الدماء التي تقطرت على الأرض دون أن يراها أحد، ما زالت كلها راقدة هناك كحيوانات متعبة تلوذ بالجدار، تستقبل نسمات الليل الباردة، فتخبو نار في داخلك وتتوهج. تشعر بنداها يتساقط على رأسك كما يتساقط على شمعة في آخر أنفاسها. تقول لنفسك: ها أنا ذا «أتحد بجسمي المتفتت في أجزاء اليوم المتفتت، أرقب جسمي يتحول دخانا ونداوة»،
1
يتدلى، مجروحا من سقف الليل الأزرق. ترفع رأسك وتتأمل النجوم المتراصة من سقف السجن الكوني. تهمس بسؤال الأعمى المكسور الخاطر: وهل يأبق الإنسان من ملك ربه،
2
وتتابع خلوات عذابك في اليوم الميت، تتداخل في جلدك كي تتجول في تاريخه، تسمعها تهوي في أطرافك ثقلا، ترجع مقهورا لتلم الأشلاء. وتلم أطراف القميص الأبيض، وياقته حول الصدر وحول الرقبة. - الدنيا برد. كان الأفضل أن تبقى هناك.
Halaman tidak diketahui