Bakaiyyat
بكائيات: ست دمعات على نفس عربية
Genre-genre
وأشار الإمام، فتنحت البنادق والسيوف والسياط، والتأم البنيان المرصوص من الجراد الملتحي في دائرة كثيفة، التفت حولي كأنها سور صنعاء الطيني. ووجدتني وسط الدائرة لا بشر حولي ولا كلاب، جثة وحيدة ما زالت تتردد فيها الأنفاس، وعندما فتحت عيني لم أجد أحدا حولي أين ذهب الجميع؟ بماذا حكم الجبار؟ من سينفذ حكمه؟ ومتى يعمل في السيف؟ تحسست رقبتي وقلت لنفسي: انتظرني الجبار إلى الغد. بعد صلاة الجمعة يقطعك السيف، وأفقت على دقات رهيبة على الباب. قمت متثاقلا وفتحت الباب. جرادة ملتحية تقف أمامي، بين يديها سلاسل وأغلال تصلصل بالموت القادم في الليل. نحن الحراس! أرسلنا الجبار إليك، أمر وأمر الجبار مطاع، أن نضع الأغلال بساقيك وكفيك، هيا هيا، كف غريب كافر، هيا هيا، ساق الكلب الثائر، وغدا نقطع رقبة زنديق فاجر.
قبضت يد على يدي، حاولت يد أخرى أن تضع الغل في ساقي، انتفضت صارخا: انتظروا أن أصلح شأني، وأردت أن أتجه نحو المرآة المثبتة أمام فراشي المضطرب الدافئ. أمسكني الحارسان، ولفا ذراعيهما حولي كأنهما شبكة حديدية تلتف حول سمكة هاربة. صاح أحدهما: ويلك! لا تنظر ليلا في المرآة! ورفع الآخر الأغلال الثقيلة، وأطلقها على المرآة، فتحطمت وتناثرت شظايا.
ثم صاح وهو يقبض على يدي، ويحكم السلاسل حولهما: أولم ننهك عن هذا؟ لا تنظر أبدا في مرآة! لا تنظر أبدا في مرآة.
وجه المحبوبة والسياف وتنفيذ الإعدام
في ساحة الإعدام، الشمس في الأفق قرص ذابل الاحمرار، تنور تخبو فيه النار، أوراق الشجرة تكاد تلامس رأسي، جذعها الخشن الناتئ يحك ظهري، يوجعه، يوشك أن يدميه، أفتح عيني المحترقة بلهب السهد، أنظر حولي وأمامي، أتلفت للخلف، وجوه وجوه، أقنعة سوداء وشيلان بيضاء، وعباءات وعمامات، أصوات تختلط على سمعي، همس وصياح، دمدمة وأنين، تفتح عيناي، تفتح أذناي كأبواق، تنفض عنها الكف تراب سنين، من يتزاحم حولي؟ لم يتجمع هذا الحشد وينظر في؟ الشمس تميل إلى الغرب، عربتها المحمرة تتوارى خلف الجدران، مكتب البريد أمامي، أمامه السور الحديدي المنخفض، وبابه الصغير الذي طالما دفعته بيدي، خلفي ثلاث قباب بيضاء مدورة كبطون الحمام ، وعلى خطوات مني حجر صلد، يرتفع على كتف منصة، كالمذبح في قلب المعبد، الحجر نظيف لامع، والمنصة تنحدر بانفراج نحو الأرض، والعشب الطري يبزغ من الأرض، وتلون أطرافه أشعة صفراء ذابلة، تتناثر فيه نقر الماء وآثار الأقدام على الطين، تلسعني ذبابة، أريد أن أرفع يدي، فأكتشف القيد فيهما، سلسلة حديد صدئ تربطها باليد الأخرى، تؤلمني قدمي، تحز الجلد والعظم سلسلة أخرى أكبر منها: لو حاولت القفز فسأبدو كغراب يحجل، لن أجني إلا سخرية الطير المتربص بي.
لكزتني في جنبي أصابع خشنة كالحوافر: تبتسم وتضحك وتكلم نفسك؟ أولا تشعر بالهيبة؟!
أرفع وجهي؛ كي أعرف مصدر هذا الصوت. يختلط علي الأمر، ست وجوه تحدق بي، ستة أجسام كجذوع النخل، أتفرس فيها، أنكرها، أتعرف فيها الأعين والجبهة والحاجب والأنف، نسخ واحدة من صنم واحد. رأيتهم من قبل، لكن الملبس يتغير، سترات بيضاء، حزام بني حول الخصر، يبرز منه مقبض خنجر. المقبض من عاج، يتوسطه فص أحمر ذهبي، السروال ملون، تجري فيه خطوط حمراء وبيضاء وزرقاء، في القدمين صنادل من جلد أو مطاط، تبدو منها الأصابع والأظافر المغبرة، ستة وجوه، ست لحى سوداء، ست عيون غائرة تذكرني بعيون الأسرى من بابل نقشت فوق جدار الكرنك، تلمس كف شعري وتشده، يتردد صوت واحد: رأس هش! رأس هش!
الآن تذكرت. - هل أنت على استعداد؟
يجيب صوت من خلفي: طبعا يا سادة. ألتفت إليه، يجلس متربعا على العشب، يمضغ ورقا أخضر، وجنته اليسرى منتفخة. - فات أوان التنفيذ. - ننتظر القاضي ورسولا من عند الجبار.
تلمع عيناه بذكاء فطري، فك مفتر عن بسمة طفل أو عذراء، شعر اللحية يبرز في غير نظام، الأنف قوي حاد، والوجه كحجر أثري ناتئ ينظر في خجل للأرض، كل عيون الناس تحدق فيه وتنتظره، يتدلى من الحزام الملتف حول وسطه سيف طويل في جراب، أراحه على الأرض وراح يمضغ بغير اكتراث.
Halaman tidak diketahui