Laut Mediterranean: Takdir Laut
البحر المتوسط: مصاير بحر
Genre-genre
إلى الإطار، إلى متنوع الأشكال التي ترصع هذه الصورة الساكنة الخالدة، وارجع البصر إلى الخريطة تر ما لجميع الجزر والشواطئ من طبيعة جبلية، وذلك عدا الطرف الجنوبي الذي يمتد مستويا صحراويا من تونس إلى القدس، ومن السهوب الحزينة ما يلوح أنه إطالة لسطح البحر على خط أصفر ممتد وفق نمطية لا حد لها، وتسيطر جميع الشواطئ الأخرى على السفينة التي تمر بما توحي به من جبال وأودية وفرض وأنهار وغابات وقطاع وثمار وخمر في سنة بلا شتاء.
وينعش تلك البقعة بأسرها ما في الأسماء القديمة من روائية، وما كنا إلا لنجهل، غير مكترثين، أمر جزيرة لها منظر دلوس، ولكن على ألا تحتوي اسما ذائعا في أي مكان كان، في طول المحيط الباسفي الواسع العابس وعرضه مثلا. وإذا كان أحد البيوت في الأرياف يثيرنا لإقامة وشنغتن فيه سابقا، فما أكثر ما تحركنا رحلة في ذلك البحر الذي تشترك في تاريخه جميع الأمم والذي تنفذ إليه أنهار أسطورية أكثر من أن تكون حقيقية؛ أي أنهار جميع الحضارات التي نظمت حياتنا الداخلية!
وذلك أن التاريخ ينعش الجغرافية، والتاريخ هنا أشد حرارة مما في أي مكان من الدنيا، وذلك لأن كل ما يرفعنا فوق الإنسان الفطري يأتينا من البحر المتوسط.
ويظهر أن الإقليم عامل حاسم، فما كانت الأفكار والأعمال الصادرة عن أدمغة أبناء البحر المتوسط وخيالاتهم لتنبت تحت ضغط شمس البلاد الحارة، ولا لتزدهر في مكافحة البرد، وما كانت وجوه الإنسانية ومبادئها لتنضج في الغابات الاستوائية البكر، ولا في غابات جرمانية القديمة، وذلك لما يؤدي إليه النضال الدائم تجاه الحرارة البالغة أو البرد الزائد من جعل الناس سقاما أو عنفا، وتنمو العبقرية في المنطقة المعتدلة، وفي هذا تجد سر انجذاب عظماء أوروبيي الشمال، من متفننين ومفكرين، ومن أباطرة أحيانا، إلى البحر المتوسط على الدوام.
وغدا «إقليم البحر المتوسط» فكرة قائمة بذاتها، والبحر المتوسط هو ما يذكر في كليفورنية والشيلي الأوسط وفي رأس أوسترالية الجنوبي الغربي حيث يتشابه العرض والطول، حيث يتماثل هذا العاملان الأساسيان لكل إقليم، بيد أنك لا ترى في جميع تلك البقاع بحرا ينقر القارة الصماء نقرا عميقا.
والبحر المتوسط وحده هو الجامع لجميع العوامل التي تتمازج إبقاء لاطراد عذوبة الإقليم، والناس في هذا الإقليم ينمون مسرورين منسجمين مع ولع بالفنون ومحص لحضارتهم، ومع ذلك يجب ألا يغفل عن بعض جهات كشمال إيطالية وعن بعض استثناءات كأثينة والقدس؛ حيث يتراشق الأولاد بكرات ثلج، وعن بعض شواذ كالبسفور المتجمد؛ حيث أمكن المرور من أوروبة إلى آسية على الأقدام ذات حين.
ووضع البحر المتوسط كما يدل عليه اسمه هو تمثيل دور الوسيط بين إقليمين متقابلين. وبينما تجلب رياح المحيط المطر إلى أوروبة الجنوبية والوسطى في أثناء جميع السنة تظل الصحراء في أفريقية الشمالية جافة دوما بفعل الرياح التي تهب بين دائرتي الانقلاب من الشرق إلى الغرب، فيبدو البحر المتوسط واسطة بينهما، ففي الصيف تسيطر هذه الرياح الشرقية على أمواجه وفي الشتاء يأتي المطر من الشمال الغربي، وتعرف الإسكندرية سبعة أشهر من الجفاف وتعرف بزنطة شهرين منه، وبينما ينزل مليمتران من المطر على مالطة يسقط منه سبعة عشر على رومة وسبعة وسبعون على تريستة. وعلى العموم يأتي شهر ديسمبر بأعظم الأمطار ويأتي شهر يولية بأقلها حتى في الشمال ، وهذا الجو الكثير الاختلاف حرارة هو أشد اضطرابا من جو الإقليمين المجاورين. والواقع أن الرياح في الجزائر الإغريقية هي من العنف العظيم ما لا تنمو معه الأشجار عالية، ولا شيء في البحر المتوسط يقف الخيال الشعبي أكثر من الرياح التي تختلف أسماؤها بين لغة ولغة فيوجب هذا ضروبا من الارتباك، وأكثر ما يخاف حتى القفقاس باسم بوره
26
يسمى في فرنسة بالمسترال، وهو ريح باردة، جافة عفراء على العموم، وتأتي هذه الريح من المناطق الباردة ذات الضغط الجوي المرتفع في القارة لتملأ ما فوق البحر الحار من الانخفاض. وهكذا يظهر المسترال من جبال الألب فينقض على وادي الرون في سواء حر الشاطئ فيربك الحياة فيه، ويثب المسترال على مرسيلية مرة في كل يومين فيبدو مثل شخص مشئوم يحب النوم بضع ساعات ليلا حتى ينطلق صاخبا صباحا، وقد حاول أغسطس أن يسكنه فأقام له معبدا. واليوم تحمي صفوف السرو بساتين البروفنس منه، ويخرج رمز الشمال ورسوله هذا من جبال الألب الجانبية، وتنشأ عن اصطدامه بالريح الحارة والفاترة الآتية من البحر عواصف يذكرنا عنفها وقصر دوامها بمغازي البرابرة، وإن شئت فقل بغارات الوندال المتجددة على الدوام.
وغير ذلك الريح الشرقية المعروفة بالسموم وبالخماسين، والتي قد يدل اسمها على رياح كثيرة أخرى، ويسمي العرب ريح الجنوب المحرقة «مطر الدم واللبن»، وتؤدي هذه الريح إلى شحوب السماء، وتلون كل شيء بالأصفر، وتحجب الشمس وتهيج الجلد، وتعرض محاصيل الزيتون والعنب للخطر، وتكثر الزوابع في أقسام من البحر المتوسط، ولا سيما نحو البحر الأدرياتي، وهي قد بلغت من الكثرة درجة نظمت معها الملاحة بالسفن الشراعية فحظر مجلس البندقية البلدي سفر هذه السفن بين نوفمبر ويناير، وتشابه طبيعة الريح الشرقية الحقيقية طبيعة ريح العرب التي تأتي مثلها من أفريقية فتوغل في البحر المتوسط، وفيما ترى المسترال، الذي هو رسول بلاد برابرة الشمال، يزيغ المقطورات عن الخطوط الحديدية ترى الريح الشرقية، التي هي ألطف من ذلك، تفسخ خشب الأثاث وتجفف الفواكه وتقوض كل شيء بالغبار، وهي توهن الإنسان بما تجلبه من الحر الذي لا يلطفه الليل أبدا.
Halaman tidak diketahui