Laut Mediterranean: Takdir Laut
البحر المتوسط: مصاير بحر
Genre-genre
وجميع هذه التحولات، وجميع هذه الهزات، هي التي جعلت أهل البحر المتوسط يفوضون أمورهم إلى الآلهة والأقدار في غضون القرون، وأكثر ما يقدس لنبتون في البقاع التي خربت، فلما هزت بلد الأعداء زلزلة في أثناء استيلاء الإسبارطيين على أرغوس أنشدوا نشيدا مؤثرا تمجيدا لإله البحر هذا، وما كان من انفصال صقلية قبل التاريخ ومن ظهور المضايق وانفتاق الأرض على سطح الألنب صير السكان من القائلين بالقضاء والقدر، مستعدين لاحتمال تقلبات الطالع، كثيري الشك والحكمة والفلسفة. ولو نظرت إلى أهل البحر المتوسط لوجدتهم في ذلك الزمن، كما في أيامنا، يعرفون ما اتفق لطبيعة بحرهم وشواطئه من تغيرات معرفة فطرية.
ويبلغ بحر اليونان من الغور 4700 متر؛ أي يبلغ قعرا من أعمق ما وجد، وتنتصب هنالك، وراء الشاطئ الأفريقي، جبال درن
17
مرتفعة بما يعدل ذلك الرقم، وتضاد كهذا مما يشعر به أهل البحر المتوسط بمزاجهم شعورا عميقا وإن لم يعبروا عنه بأرقام. وارجع البصر إلى وضع سواحل بحر إيجه وتشكيل الصخور في الخلجان وكثرة الجزائر، تجد هذه الأمور متماثلة برا معينة لخصائص السكان. وإذا ما عدت هذه البحيرة الداخلية، التي هي البحر المتوسط، شائبا حكيما عصلبيا محصورا ضمن حدوده حصرا أزليا غير حائز لسوى باب ضيق نافذ إلى الحرية حفزنا حب الاطلاع إلى البحث عن كيفية قيام هذا الباب بعمله وعن كيفية مقاومته للبحر المحيط، وهنا مفتاح مصير البحر المتوسط.
ويقع باب هذا البحر على جبل طارق تماما، وذلك حيث كان جسر بري يجتذب الفيل الأفريقي إلى إسبانية، وهو إذا ما نظر إلى بلوغه، بعد تكمش، أربعة عشر كيلومترا أمكن تمثله قناة من صنع الإنسان، كقناة السويس، وإن كان أكثر عرضا منها. والحق أنه كان يوجد لسبس في أقدم الأزمان، كان يوجد هركول الذي قيل إنه فتح البر ونصب عمودين تذكاريين، وما كان من حدوث منافذ هنا كما في البسفور ألمع إليه باسم دوكاليون
18
وفي بعض نصوص التوراة، وكان أرسطو وسنيكا وبوفون على ذلك الرأي. ووجد العربي الكبير، الإدريسي، الذي ولد بالقرب من جبل طارق، حلا فولتيريا للمسألة، فقد رأى أن الإسكندر سمع حديثا عما بين الإسبان والأفريقيين من قتال أزلي فأراد أن يفصل بعض هذه القبائل المتعادية عن بعض بحمل عبيد على حفر الأرض وفق تصميم محكم حتى فار البحر الأكبر في البحر الأصغر.
وليست قلة العرض، بل قلة العمق، هي التي يوصف بها جبل طارق، فهو 320 مترا فقط، وهذا هو من النقص ما لا تبادل معه مياه البحرين مبادلة ملائمة، وأحد الأخوين غني قوي ولكن مع شح، والأخ الآخر موهوب إلى الغاية بالغ اللطافة، وعلى الأول أن يعين الثاني، وهو يصنع ذلك مع عظيم بخل، والأطلنطي القوي يضبط نفسه، وذلك لأن منفذه إلى أخيه، إلى هذه البحيرة ذات الأهواء الغريبة، قد حفر حفرا ناقصا، وقد سماه العرب «باب الزقاق»؛ أي باب الطريق الضيق، حتى إن الإنكليز دعوه «المعى»؛ أي المصير،
19
وأكثر ما يخاف الملاح هو جبل طارق الضيق والقائمة على جانبيه جبال تبلغ من الارتفاع ألفي متر، دع عنك ما يؤثر في الجو والحيوان من عمق الأطلنطي وقلة التجويف في عتبة ما تحت سطح البحر. ومما يعرف أن حرارة ماء جميع البحار المحيطة تنقص مع العمق، وليس للأطلنطي سوى ثلاث درجات على طول الساحل الإسباني مع أن درجات البحر المتوسط تبلغ اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة؛ ولذا يعد اعتدال جو البروفانس والإغريق، وما يوجبه من جمال، نتيجة قلة العمق في عتبة جبل طارق.
Halaman tidak diketahui