Laut Mediterranean: Takdir Laut
البحر المتوسط: مصاير بحر
Genre-genre
وكان التاجر الإيطالي من الحذق ما جاوزت معه شهرته نطاق البحر المتوسط، ورهن ملوك ألمان وإنكليز دخلهم القادم واحتكاراتهم ورخصهم لدى صيارفة في ميلان وفلورنسة، وكان الملك إدوارد اللندني مدينا بمبالغ عظيمة أيام إفلاس كبير وقع في البندقية سنة 1345. وقضى الإنكليز وقتا أكبر مما قضاه الطلاينة حتى يكونوا تجارا صالحين وملاحين، وكان من العادة في بلرم، حتى في عهد فردريك الثاني، أن يرهن إصدار القمح الصقلي عند فلورنسة.
وكما أن نظام الاعتماد قد نشأ عن نظام البنوك، نشأت الشركات المغفلة الأولى عن النظام التجاري الاستعماري، والتجار البندقيون والجنويون هم الذين دحروا في هذا المضمار منافسيهم اليونان والعرب من جنوب البحر المتوسط وشرقه، وهم قد بلغوا من المخاطرة ما كانوا يرسلون معه سلع البحر الأسود وطرابلس إلى إنكلترة، ومع ذلك لا تعد الشواطئ التي يحتلونها من المستعمرات بالمعنى الصحيح ما لم تكن غير مأهولة، ومع ذلك فإن ما أقامه هؤلاء الأجانب من وكالات تجارية قد تقدم كثيرا فظهرت مدن بندقية في موانئ آسية الصغرى مع مجلس قضاء وقناصل وإدارة قومية خاصة بها، وما عن للبندقية من وجوه للسيطرة مقنعة صلح منهاجا لإسبانية وقلد من قبل مستعمرين هولنديين وإنكليز حتى القرن الثامن عشر، وقد كان هذا الدور مقدمة عصر النهضة ثم مقدمة النظام الاستعماري.
وما كان من جمع بعض الناس لثروات واسعة بسرعة بعد الحروب الصليبية مدين قبل كل شيء للعوائد الكبيرة التي غدت متعذرة بسبب انقضاء دور الاحتكارات الخاصة في أيامنا، أجل، كانت مهالك الحرب وتقلبات الحكم شديدة على أصحاب المراكب والملاحين، غير أن التجار أساءوا استعمال مبدأ الخطر. وكان أهل فلورنسة، إذا ما باعوا نسجهم من نيس أو من عكا، يضاعفون ثمنها ثلاث مرات في بعض الأحيان، وكانوا يتعاطون في الوقت نفسه تجارة الرقيق غير مقيدين كما لو كانوا من الأغارقة أو من الوثنيين، وكأن أحد الرسل لم يظهر في بلاد البحر المتوسط ولم يدع الناس إخوانا، وكأن ممثل هذا النبي لم يعظ بالإنجيل في كنيسة القديس بطرس برومة.
ولم يكن بين مدن إيطالية ما هو أمهر من فلورنسة، ولم يكن من المصادفات أن أنجبت هذه المدينة بأحسن التجار والدبلميين، وقد غدا أمثال كاردي وبالدي وبيروزي من العظماء الذين يذكرهم أهل البحر المتوسط باحترام كالذي يذكر به الأمريكيون صيارفتهم في نيويورك. وقد كان آل ميديسيس أول من انتقلوا من عالم المال إلى عالم السياسة فظل الحكم قبضتهم في فلورنسة ثلاثة قرون، وقد قاموا في القرن الأول من سلطانهم بشئون الحكم مع كثير حكمة وعطل من الألقاب، ثم أداروا دفة الحكم في القرنين التاليين بلا حكمة ومع إفراط في حمل الألقاب.
وكان كوم دوميديسيس (1389-1464)، وهو أهمهم، ابنا لتجار نافذين ومستشارين في فلورنسة، فاكتسب ثروته العظيمة في مجمع كونستانس، على الخصوص؛ حيث رافق البابا. ومن الطليان والألمان أناس اغتنوا بهذه الأعمال السياسية، ولكن ما هو السبب في عدم تسمية أحد من آل ألبزي وفوجر «أبا الوطن» كما اتفق لكوم دوميديسيس؟
إن الجواب سهل، وهو أن كوم قد أحب الحرية وناضل عن الشعب وأجار الفقراء، وهو قد قضى حياة مملوءة توفيقا ونبلا، وطهرا تقريبا، حتى بدء عصر النهضة، ولا ينبغي أن يقاس به أحد من أصحاب الملايين في عصرنا على ما يبذلونه من جهود في إراحة ضمائرهم بإنشاء أوقاف خيرية ، ولم يترك هذا الميديسيسي شيئا لأبناء وطنه، وما فتئ صيته يذيع في غضون القرون مع ذلك، وهو مدين في شهرته هذه لعدم جمعه ثروته ظلما وعدوانا بحرمانه الناس وسائل عيشهم.
وظل كوم سيد فلورنسة أربعين عاما فأوجب تسجيل جميع الأملاك العقارية، وهو قد استعان بهذا السجل في فرض ضرائب ثقيلة على الشرفاء وضرائب خفيفة على الدهماء، وهو قد عزل الجباة المرتشين وأقرض، أو أعطى، أبناء بلده مالا، وذلك عن رغبة رجل في الكيان أكثر مما في الظهور، وهو قد احتمل صامتا نفي سنة على حسب العادة، فلما عاد لم يحاول الانتقام، وهو يرى في نقش بارز لفيروكيو صاحبا لملامح شائب لابسا ثيابا بسيطة وعمرة كبيرة، وكل شيء ثقيل فيه، فله أنف طويل حاد معقوف وأذنان كبيرتان، غير أن ملامحه تنم على الجد والفطنة والانسجام، وكان متقدما في السن عندما بدأ بدراسة أفلاطون، وعرف أكابر المتفننين فكانت له طلبات لدى دوناتلو وغوزولي، وعلى ما كان من حبه التردد إلى رواق مغناه الرائع في كاريجي، حتى يحاور أناسا من الشعراء والفلاسفة، ظل رجل أعمال برجوازيا عارفا في عامه بما نال من ربح في العام الماضي معرفة تامة.
وكان حفيده لوران السخي طاغية جبارا، ويبدو هذا الحفيد في الصورة الجدارية التي رسمها شرلانداجو ذا فك بارز وأنف عريض مسطح وشعر كثيف جعد ونظرة متقصية غير هادئة وفم متأهب للكلام على الدوام، وهو لم يكن تاجرا بل متفنن، وما كتبه من قصائد رائعة بنفسه وما كان من ولعه بالموسيقى والمعرفة والحياة الذهنية والحب والصداقة والمغامرات أمور كانت تنعش هذا الوارث المسقام وتحفزه إلى العيش بأحر مما يقتضيه الحذر، ويوجد شبه غريب بين قناعي لوران وبتهوفن المأتميين.
وكان مزج كلتا الديانتين مثل فلورنسة الأعلى في ذلك العصر، وكان يدعى «لاهوت أفلاطون وفلسفة بولس» مع شيء من الدلال. وقد صور بوتيشلي فينوس قديسة وعرض نساء نحيفات على أنهن من الإلاهات، وقد سمح له في البلاط أن يجل أثر دانتي وبوكاس معا. وقد ساد جو غريب من الحس والشهوانية في السنين التي سبقت ظهور رفائيل، ويتألف من هذا عصر انحطاط أكثر من أن يتألف عصر نهضة حقيقي.
ثم يأتي سافونارول، هذا الدومنيكي ذو الحلة البيضاء، الذي كان ينبئ القوم بما يرى في الليل من رؤى والذي نبأ بموت لوران، وهو، مع اشتعاله ضد مواكب آل ميديسيس المقنعة المعربدة، لم يكن أقل مسرحية عندما سار على رأس موكب مؤلف من فتيان وفتيات مكللين ليحرقوا باطل الأدوات في جميع المنازل منشدين: «عاش يسوع مليكنا!» ويزعم أن لوران دعاه إلى فراش موته، وهذا غير صحيح، والواقع أن لوران لم يذعن لهذا المتعصب قط. ويموت لوران، ويقبض سافونارول على زمام فلورنسة خمس سنين؛ أي إلى أن خسر كل نفوذ بسبب حبوط ما سعى إليه من الشهادة، وينكل به نكالا شديدا، ويشنق وتحرق جثته في الموقد الذي كان قد أقامه ليقذف فيه الأشياء الموصوفة بالأباطيل كالمرايا والستائر والمعازف والشطرنجات، وكمؤلفات بترارك أيضا.
Halaman tidak diketahui