Bahr Madid
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
Editor
أحمد عبد الله القرشي رسلان
Penerbit
الدكتور حسن عباس زكي
Edisi
١٤١٩ هـ
Lokasi Penerbit
القاهرة
Genre-genre
Tafsiran
ثم ذكر الحق تعالى كيفية ابتداء نسخ القبلة، فقال:
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ...
قلت: التقلب: التردد، وولَّيْت كذا: جعلته واليًا له، والشَّطْر هنا: الجهة.
يقول الحق ﷻ لنبيه- ﵊ حين تمنى أن يُحَول إلى الكعبة، لأنها قبلة أبيه إبراهيم وأدْعى إلى إسلام العرب، وهي أقدم القبلتين، فكان ينظر إلى السماء، ويقلب وجهه فيها انتظارًا لنزول الوحْي، وهذا من كمال أدبه- ﵊ حيث انتظر ولم يطلب، فقال له الحق تعالى: قَدْ نَرى أي:
ربما نرى تردد وَجْهِكَ فِي السَّماءِ انتظارًا للوحي، فلنعطينك ما تمنيت، ونوجهك إلى قبلة تَرْضاها وتحبها لمقاصد دينية وافقت المشيئة، واقتضتها الحكمة، فَوَلِّ وَجْهَكَ أي: اجعله مواليًا شَطْرَ أي: جهة الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ أيها المؤمنون أي في أي مكان كنتم فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ جهته.
وإنما ذكر الحق تعالى شطر المسجد، أي: جهته، دون عين الكعبة لأنه- ﵊ كان في المدينة، والبعيد يكفيه مراعاة الجهة، فإن استقبال عينها حَرجٌ عليه، بخلاف القريب، فإنه يسهل عليه مسامته العين «١»، وقيل: أن جبريل- ﵇ عيّنها له بالوحي فسميت قبلة وحْي.
رُوِيَ أنه ﷺ قدم المدينة فصلّى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرًا، ثم وُجِّه إلى الكعبة في رجب بعد الزوال قبل قتال بدر بشهرين، وقد صلّى بأصحابه في مسجد بني سلمة ركعتين من الظهر، فتحوّل في الصلاة، واستقبل الميزاب، وتبادل الرجال والنساء صفوفهم، فسُمي مسجد القبلتين. قاله البيضاوي.
الإشارة: في الآية إشارة إلى أن ترك التصريح من كمال الأدب، وفي الحكم: «ربما دلهم الأدب على ترك الطلب، كيف يكون دعاؤك اللاحق سببًا في قضائه السابق؟! جل حكم الأزل أن يضاف إلى العلل» . فإذا تمنيت شيئًا وتوقفت على أمر فاصبر وتأدب واقتد بنبيك- ﵊ حتى يعطيك ما ترضى، أو يعوضك منها مقام الرضا. وفي المسألة كلام، والتحقيق أن ينظر إلى ما ينشرح به صدره في الوقت، فإن انشرح للدعاء دعا، وإن انقبض عن الدعاء سكت. والله يرزق من يشاء بغير حساب ولا علّة ولا أسباب.
(١) سامته: قابله ووازاه وواجهه.
1 / 177