Lautan Ilmu
بحر العلوم
وروى شهر بن حوشب عن جندب بن سفيان، عن رجل من بجيلة قال: كنت عند رسول الله ﷺ إذ جاءه بشير من السرية فأخبره بالفتح وقال: يا رسول الله ﷺ، بينما نحن نطلب القوم وقد هزمهم الله تعالى، فقصدت رجلًا بالسيف، فلما أحس أن السيف واقع به فقال إني مسلم فقتلته، فقال له رسول الله ﷺ: «أَقَتَلْتَ مُسْلِمًا!» فقال: يا رسول الله أنه قال متعوّذا فقال ﷺ: «أَفَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ!» فقال يا رسول الله: استغفر لي فقال: «لاَ أَسْتَغْفِرُ لَكَ» .
فمات الرجل فدفنوه، ثم أصبح على وجه الأرض ثم دفنوه، ثم أصبح على وجه الأرض ثلاث مرات، فلما رأى ذلك قومه استحيوا وحزنوا، فحملوه وألقوه في شعب من تلك الشعاب فنزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا أي قفوا وانظروا من تقتلون. قرأ حمزة والكسائي فَتَثَبَّتُوا بالثاء، وقرأ الباقون فَتَبَيَّنُوا بالباء، فمن قرأ بالثاء فهو من التثبت يقول: قفوا ولا تعجلوا في الأمر حتى يتبين لكم الكافر من المسلم. ومن قرأ بالباء فهو من التبين ومعناهما قريب.
ثم قال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا قرأ أبو عمرو وعاصم وابن كثير والكسائي: السَّلامَ بالألف. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة السلم بغير ألف.
وأما من قرأ السَّلامَ فلأن مرداسًا قال لهم: السلام عليكم. وأما من قرأ السلم فهو الدخول والانقياد والمتابعة، يعني إن انقاد لكم وتابعكم فلا تقولوا له لست مؤمنًا، وأسلم واستسلم بمعنى واحد، أي دخل في الانقياد. كما تقول: أشتى الرجل إذا دخل في الشتاء، وأربع إذا دخل في الربيع. ثم قال: تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وذلك أن الرجل كانت معه غنيمة حين قتلوه، وأخذوا ما كان معه من الغنيمة، فعيّرهم الله تعالى بطمعهم في المال. ثم قال: فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ أي عند الله ثواب كثير في الآخرة لمن اتقى، ويقال: غنائم كثيرة في الدنيا، فاطلبوا من حيث أذن لكم وأبيح لكم.
ثم قال تعالى: كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ أي هكذا كنتم من قبل الهجرة بمنزلة مرداس، تأمنون في قومكم بالتوحيد من أصحاب رسول الله ﷺ، ولا تخيفوا أحدًا، وكنتم تأمنون بمثله قبل هجرتكم فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بالهجرة ويقال: هكذا كنتم يعني كنتم تكتمون إيمانكم من قبل، ويقال: أي كنتم كفارًا، فمنَّ الله عليكم بالإسلام. ثم قال تعالى: فَتَبَيَّنُوا أي قفوا وانظروا في أمركم لكي لا تقتلوا مؤمنًا، فصارت الآية عامة لجميع السرايا إذا دخلوا دار الحرب ينبغي أن يتبينوا لكي لا يقتلوا مؤمنًا. ثم قال: إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا أي عالمًا بكم وبأعمالكم.
ثم قال تعالى:
1 / 329