Lautan Ilmu
بحر العلوم
جربت نفسك في غير هذا؟ قال: نعم دخل أسد في غنمي فضربته، ثم أخذت بلحييه فشققتها، فقال له: هذا أشد، ثم قال لَّهُ مَا اسمك؟ قال: داود بن إيشا. فعرفه. فرأى أنه أجلد إخوته، فأخذ قذافته وخرج. فلما رآه جالوت قال: خرجت إليّ لتقتلني بالقذافة كما تقتل الكلاب؟
فقال له داود: وهل أنت إلا مثل الكلاب؟ قال الكلبي: وكان على رأس جالوت بيضة ثلاثمائة رطل، فقال له جالوت: إما أن ترميني وإما أن أرميك. فقال له داود: بل أنا أرميك. ثم أخذ واحدًا من الأحجار الثلاثة فرماه، فوقع في صدره ونفذ من صدره فقتل خلفه خلقًا كثيرًا. وقال بعضهم: صارت الأحجار كلها واحدًا فلما رماها تفرقت في عسكره فقتلت خلقًا كثيرًا. وقال بعضهم: رمى واحدًا بعد واحد، فقتل جالوت وخلقًا كثيرًا وهزمهم الله بإذنه، فذلك قوله ﷿: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ.
ثم إن طالوت زوج داود ابنته وأراد أن يدفع إليه نصف ملكه، فقال له وزراؤه: إن دفعت إليه نصف ملكك، فيصير منازعًا لك في ملكك، ويفسد عليك الملك. فامتنع من ذلك وأراد قتل داود- ﵇ وكان في ذلك ما شاء الله حتى دفع إليه النصف، ثم خرج طالوت إلى بعض المغازي فقتل هناك، فتحول الملك كله إلى داود. ولم يجتمع بنو إسرائيل كلهم على ملك واحد إلا على داود. فذلك قوله ﷿: وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ، يعني ملك اثني عشر سبطًا وَالْحِكْمَةَ، يعني النبوة، وأنزل عليه الزبور أربعمائة وعشرين سورة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ، أي علم داود من صنع الدروع وكلام الطيور وتسبيح الجبال معه وكلام الدواب.
وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، أي يدفع البلاء عن المؤمنين بالنبيين- ﵈ ويدفع بالمؤمنين عن الكفار، لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، أي هلك أهلها. ويقال: ولولا دفع الله جالوت بطالوت، لهلكت بنو إسرائيل كلهم. ويقال: ولولا دفع الله البلايا بسبب المطيعين، لهلك الناس كما جاء في الأثر: لولا رجال خشع وصبيان رضع وبهائم رتع، لصببت عليكم العذاب صبًا. وروي عن الحسن أنه قال: لولا الصالحون لهلك الطالحون.
ويقال: لولا ما أمر الله المؤمنين بحرب الكفار، لفسدت الأرض بغلبة الكفار. ويقال لولا ما ينتفع بعض الناس ببعض، لأن في كل أرض بلدة يتولد فيها شيء لا يوجد ذلك في سائر البلدان، فينتفع بها أهل سائر البلدان وينتفع بعضهم ببعض، فيكون في ذلك صلاح أهل الأرض.
قرأ نافع هاهنا وَلَوْلاَ دِفَاع الله وفي الحج: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بغير ألف في كلا الموضعين، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ بغير ألف، إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ [الحج: ٣٨] بالألف. وتفسير القراءتين واحد وهما لغتان معروفتان.
ثم قال تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ، أي ذو منّ عليهم بالدفع عنهم.
1 / 165