وكلامه صدق وحق لا شك فيه، وكان في نفسه لا يأكل الزكاة، يقتصر بخاصته على تجنبها مما[118/أ] يصل إليه من النذور والهدايا ومستغلات الصوافي، وكانت حالته في ذلك حسنة، إلا أنه لو كملها بالعدل باليمن الأسفل في مطالبه وجور ولاته الجور المفرط، وأزال عنه الشبهة في تكفيرهم بالجبر والتشبيه الذي لا يقولون به ولا يلتزمونه، لكان كاملا بأوصاف الخيرات جامعا للأحوال السنيات، لكنه قصر في النظر، وقلد في الأصول والأثر، ولم يعرف بحقائق أقوال أهل الخلاف وتفاصيل محققي علماء السنة، ليعرف بذلك أقوالهم البينة، كما عرفه غيره من الأئمة، والله أعلم.
وله وصية أخرى ذكر فيها أن كتبه على كثرتها كان وقفها وصية، ثم رجع عنها، ثم رجع إلى أنها للمصالح، وأوصى بأن جميع ما في مخازين بيت المال لبيت المال من النقد والسلاح والخيل والعبيد، إلا ما هو يختص به لنفسه، وقد بينه، ولولا طول وصيته هذه لذكرتها هنا، وفيها شهادة السيد محمد بن صلاح الجحافي وعز الدين القاصر والوصي ولده محمد، تاريخها جمادى الأخرى سنة 1087ه. ومحمد بن المتوكل قسم كتب والده بين ورثته من فيها رسم والده، والباقي بقت تحت يده لبيت المال.
وفي وصية أخرى لولده محمد بن أمير المؤمنين لما ولاه بلاد ضوران ما لفظه: (واترك الإكثار من المتعلقين الذين همهم الدنيا، ويكفيك القيام بأهل الحصين، فإنهم عدة إن شاء الله، واستصلحهم بالرغبة والرهبة، وأحبب حبيبك هونا ما، وأبغض بغيضك هونا ما، فلعل الحبيب لا يدوم حبه وما أكثر ذلك فيمن محبته لأجل الدنيا، ولعل البغيض يكون حبيبا، وما أكثر فيمن كان بغضه لأجل الدنيا، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وأكثر من ذكر الله).
Halaman 442