وفي حسن المحاضرة: ثم ولي ديوان الإنشاء الصاحب بهاء الدين زهير الشاعر المشهور، ثم صرف وولي بعده الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان الأسعردي، وأقام إلى انقراض الدولة الأيوبية.
ولعل الصحيح أن بهاء الدين زهيرا بقي في خدمة الملك الصالح إلى أن مات الملك الصالح في شعبان سنة 647؛ فقد ذكر المؤرخون أنه في سنة 646 حدث للملك الصالح نجم الدين ورم في باطن ركبته تكون منه ناسور عسر برؤه، وانضاف إليه قرحة في الصدر، فلزم الفراش؛ إلا أن علو همته اقتضى مسيره من ديار مصر إلى الشام، فسار في محفة ونزل بقلعة دمشق، ثم خبره مخبر أن رواد
2
فرنس عازم على المسير إلى أرض مصر وأخذها؛ فسار السلطان من دمشق وهو مريض في محفة ونزل بأشموم طناح في المحرم سنة 647، وأعد العدة للكفاح عند دمياط. وفي أواخر صفر، وردت جيوش العدو، وبعث ملكهم إلى السلطان كتاب تهديد ووعيد، هذا نصه:
أما بعد، فإنه لم يخف عليك أني أمين الأمة العيسوية، كما أنه لا يخفى علي أنك أمين الأمة المحمدية.
وغير خاف عليك أن عندنا أهل جزائر الأندلس وما يحملونه إلينا من الأموال والهدايا، ونحن نسوقهم سوق البقر، ونقتل الرجال، ونرمل النساء ، ونستأثر بالبنات والصبيان، ونخلي منهم الديار. وأنا قد أبديت لك الكفاية، وبذلت لك النصيحة إلى الغاية والنهاية؛ فلو حلفت لي بكل الأيمان، وأدخلت علي القسس والرهبان، وحملت قدامي الشمع طاعة للصلبان؛ لكنت واصلا إليك، وقاتلك في أعز البقاع عليك؛ فإما أن تكون البلاد لي - فيا هدية حصلت في يدي! - وإما أن تكون البلاد لك والغلبة علي، فيدك اليمنى ممتدة إلي. وقد عرفتك وعرفت ما قلت لك، وحذرتك من عساكر حضرت في طاعتي تملأ السهل والجبل، وعددهم كعدد الحصى، وهم مرسلون إليك بأسياف القضاء.
فلما قرئ الكتاب على السلطان وقد اشتد به المرض بكى واسترجع، فكتب القاضي بهاء الدين زهير بن محمد الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلواته على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه أجمعين. أما بعد، فإنه وصل كتابك وأنت تهدد فيه بكثرة جيوشك وعدد أبطالك، ونحن أرباب السيوف، وما قتل منا قرن إلا جددناه، ولا بغى علينا باغ إلا دمرناه؛ فلو رأت عينك أيها المغرور حد سيوفنا، وعظم حروبنا، وفتحنا منكم الحصون والسواحل، وتخريبنا ديار الأواخر منكم والأوائل؛ لكان لك أن تعض على أناملك بالندم، ولا بد أن تزل بك القدم، في يوم أوله لنا وآخره عليك؛ فهنالك تسيء الظنون
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، فإذا قرأت كتابي هذا فتكون منه على أول سورة النحل:
أتى أمر الله فلا تستعجلوه ، وتكون أيضا على آخر سورة ص:
Halaman tidak diketahui