وإن سألتني: من أنت التي تخاطبينني بلغة لم أسمعها فلذلك لا أعرفها؟ أجيبك: إنني أنا هي تلك المرأة التي زارتك في المدرسة مرارا. ألا تذكرين هذا يا بديعة المحبوبة؟ أذهب عن بالك ذكر تلك السيدة التي كانت تزورك كل سنة بثوب أسود؟ ألا تذكرين الوقت الذي أعطيتك فيه صورتي وأخذت صورتك وقلت لك بأنني صديقة والدتك المرحومة؟!
فإن كنت تذكرين هذا، وإن كنت تثقين بكلامي، وإن كنت ترجعين إلي غير طالبة زيادة إيضاح إلا لحين المشاهدة؛ فاسألي الخواجة ميخائيل صديقي الأمين، وهو يخبرك بما يعرفه عني ويسلمك ثلاث صور؛ الأولى: هي رسمك المحبوب، والثانية: هي رسمي من خمس سنوات، والثالثة: هي رسمي بحالتي الحاضرة التي ليس أتعس منها لبعدك عني.
هذا كفاية الآن، فلا تخيبي أملي ولا تجازيني على عملي بالموت الأكيد إذا رفضت الرجوع، وألف قبلة قلبية من والدتك الحزينة المحبة.
جميلة
روفيه
فأخذت بديعة الكتاب، وأخذت تنظر إلى الرجل الذي كان بانتظار جوابها، وكانت دموعها تتساقط من عينيها كالوبل؛ لأن كلام والدتها كان مؤثرا للغاية. ثم إنها تذكرت تلك السيدة التي كانت تزورها في كل سنة كما قالت، وكم كانت لطيفة معها ومحبة لها، وكيف أنها هي كانت تحبها لأسباب لا تعلمها، وكيف كانت تبكي عند مفارقتها، وكيف أن تلك السيدة كانت تعطيها مالا لتصرفه هي ولوسيا تلك الفتاة الجحود، وذكرت أيضا قول الفتيات لها بأن تلك السيدة تشبهها وبأن أمرهما يدعو إلى الريب ...
ذكرت كل هذا وراجعت قراءة المكتوب، فشعرت بأن قلبها يكاد يطير إلى تلك اليد التي سطرته، ولكنها بعد هذا السرور من تلك التذكارات الحلوة مر ببالها خاطر أزعجها، وقالت: ما هو الداعي إلى كل هذه الأسرار في حياتي يا ترى؟! فبكت، وكان الرجل ينظر إليها بحنو، ولم يقدر أن يمنع دموعه عن السقوط. وبعد أن قبلت بديعة الكتاب نظرت إلى الشيخ قائلة: إنني أجهل معنى هذا الكتاب، فهل لك أن تتكرم بالصور لعلي أعرف منها ما لم أتبينه من الخط؟
فدفع إليها الصور، وناولته هي الكتاب لكي يقرأه.
ولما وقع نظرها على الصور أخذت تقترب من التصديق، وكان أحد تلك الرسوم للسيدة التي كانت تعرفها جيدا، والآخر رسمها الذي أعطته لتلك السيدة مرة وعليه هذه الجملة:
من بديعة لصديقة والدتها.
Halaman tidak diketahui