كأن سرور الأرض حزن سحابها ... إذا ما بكت لاحت لنا في تصنع
حبائب لا يسمحن إلا بلحظة ... وشمة أنف للمحب الممتع
بدائع ما أبدى الوزير بنانه ... إلى صكه إلا أتانا بأبدع
شبه خط ممدوحه بالربيع في حسن منظره، وجمال مخبره، ودخوله إلى المدح في هذا الموضع مفضل له مستحسن منه. والغزالة، الشمس. يقال: طلعت الغزالة ولا يقال: غابت الغزالة. وقال الأصمعي: الغزالة: وقت طلوع الشمس، وليست الشمس. والجون من الأضداد يكون الأبيض والأسود. وهو هاهنا الأسود. والتصنع: التحسن والتزين. ومن حسن ماله في هذا المعنى قوله في قصيدة يمدح بها العارض أحمد بن سعد بعد وصف سحابة ورعد وبرق وهو: [الرمل]
كست الأرض بساطا رائقا ... بطنها سداة والأرض نسج
أخرجت أسرارها إذ أخرجت ... رب سر أحرج الصدر خرج
كمحب ضاق وجدا صدره ... فبدا ما كان في الصدر اختلج
صاح إن يبهجك وجه حسن ... فليكن وجه الربيع المبتهج
أعرس الروض ومن قيناته ... أم من خالف في الاسم السمج
تتغنى أولا في رجز ... فإذا امتدت تغني في الهزج
ثم دخل إلى المدح كدخوله المتقدم فقال:
وكأن الروض من خط أبي ... بكر العارض وشي ودبج
قيناته: مغنياته، واحدتهن قينة. و"من خالف في الاسم السمج" أراد أم الحسن. لأن الحسن ضد السمج. ولأبي عمر أيضا قطعة حسنة يصف فيها الربيع من قصيد مطول بديع التشبيهات، بديع الصفات، يمدح به أبا علي البغدادي_رحمه الله_والقطعة بعد صدر من القصيد: [الكامل]
في إثرها وقعت ملاحم تجتلي الت ... تأريخ بين سحائب ومحول
فكأنها جيش بدهم خيول ... غاز إلى جيش بشهب خيول
قامت رواعدها بدق طبول ... في حربها وبروقها بنصول
ولت جنود المحل ثم تحصنت ... في قلب كل متيم معذول
بكت السحاب على الرياض فحسنت ... منها غروسا من دموع ثكول
فكأنها والطل يشرق فوقها ... وشي يحاك بلؤلؤ مفصول
غلبت على شمس النهار فألبست ... منها ظهيرتها ثياب أصيل
فنزلت في فرش الرياض ولم يكن ... ليحوزها مثلي بغير نزول
سلب العمامة بيننا متعمم ... لطمت سوالفه يدا مغلول
فوضعت في فمه فمي فعل الذي ... يهوى بريق حبيبه المعسول
غنى الطراة من الذباب لنا بها ... طربا فهجن شمائلا بشمول
روض تعاهده السحاب كأنه ... متعاهد من علم إسماعيل
قوله: "فكأنها جيش بدهم خيول"..البيت، شبه السحاب في اسودادها بالخيل الدهم، والأرض في ابيضاضها قبل النبات بالخيول الشهب. وهذا من أبدع ما استعير لهذا الموضع، ومما حسنه ذكر الغزو بينهما، وقوله: "سلب العمامة بيننا متعمم" البيت، أراد ظرف الخمر الذي تسميه العامة الكوز. شبه مقبضه في عنقه بيدي مغلول. وعمامته: فدامه، وهو من مخترعاته الطريفة، ومبتدعاته الشريفة. ومما حسن له_رحمه الله_في هذا المعنى قطعة من قصيدة شأى فيها من تقدم يمدح بها ابن القرشية وهو عبد العزيز بن المنذر بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بعد أبيات غربية في صفات عجيبة وهي: [الطويل]
تأمل بإثر الغيم من زهرة الثرى ... حياة عيون متن قبل التنعم
كأن الربيع الطلق أقبل مهديا ... بطلعة معشوق إلى عين مغرم
تعجبت من غوص الحيا في حشى الثرى ... فأمشى الذي فيه ولم يتكلم
كأن الذي يسقي الثرى صرف قهوة ... تنم عليه بالضمير المكتم
أرى حسنا في صفحة قد تغيرت ... كبشر بدا في الوجه بعد التهجم
ألا يا سماء الأرض أعطيت بهجة ... تطالعنا منها بوجه مقسم
وإن قالت الأرض المنعم أرضها ... لي الفضل في فخري عليك فسلمي
فخضرة ما فيها يفوقك خضرة ... ونوارها فيها ثواقب أنجم
وإن جئتها بالشمس والبدر والحيا ... مفاخرة جاءت بأسنى وأكرم
بعبد العزيز ابن الخلائف والذي ... جميع المعالي تنتمي حيث ينتمي
1 / 2