وتأمل أيها الناظر في كتابي تأمل اليقظ المتقد، والمميز المنتقد تر أغرب التشبيهات، وأعجب الصفات، وأبرع الأبيات، وأبدع الكلمات لمن كان حواليهما من مسند إليهما، معول عليهما، ومتصرف بين أيديهما، ومتورك على أياديهما. وإنما ذلك لترادف إحسانهما، وتعاقب امتنانهما وقديمًا قيل: اللها تفتح اللها، وبقدر ذلك أعملوا الفكر، وأنعموا النظر، فنظموا في جودهما دررًا من الكلام، لا تسلك على سلكها غير الأيام، وكسوا جميل فعلهما جملًا من الجمال تبقى بقاء الليالي. فلله درهما من ملكين نفقا سوق الأدب الكاسدة، وأصلحا حال العلم الفاسدة فكثر المنتحلون لها والمتحلون بها، ولولاهما - أطال الله بقاءهما وأدام اعتلاءهما - ما انفردت لهذا التأليف، ولا شغلت فكري بهذا التصنيف، ولا منيت نفسي به، ولا وثقت بها في ترتيبه. لكن بفضلهما الجزيل، وفعلهما الجميل، لاح السبيل، وعلمت كيف أقول، فجزاهما الله عما يوليان من الأيادي الحسان التي تداركتنا وقد بلغت القلوب حناجرها، وشحذت الخطوب خناجرها، وكشرت النوب عن أنيابها، وأدالت الأيام إعتابها بعتابها جزاء يجوز رضاهما، بل يجوز مناهما، وبعد العجز عن استيعاب جزيل إفضالهما، واستكمال جميل إقبالهما، فنعود إلى ما وعدنا به، ونجتلب ما بيننا على اجتلابه، وبالله ذي الجلال والإكرام العون على البدء والتمام.
1 / 2