ماذا أردت بطول المكث في يمن
إن كنت حاولت دنيا أو نعمت بها
فما أخذت بترك الحج من ثمن
ويذكرون أن أخاه لما سمع هذا الشعر يئس من صلاحه وقال: قد فتك أخي وغدر.
والذي أراه أن عمر بن أبي ربيعة، ما كان له أن يذهب إلى اليمن، دفعا للوم أخيه فحسب، فإن الرجل طالما نهاه النهاة فلم ينته ولم يرجع، وكان بينه وبين أخيه ما يشعر بتهاونه بنصحه، وسخريته من عذله، بدليل ما يذكرون من أخذه ألف دينار من أخيه، في حين أنه كان من أكثر الناس مالا ووفرا، وأعظمهم تيها وكبرا، ولكن الرجل كان يحاول أن يتناسى صبابته، ويتغاضى عن هواه، حتى كان من أمره أن حلف لا يقول بيتا من الشعر إلا أعتق رقبة، نهيا للنفس عن الهوى، وكبحا لها عن الغواية وكان من المسرفين.
فر ابن أبي ربيعة إلى اليمن ليبعد عن ملعب صباه، ومرتع شبابه، فيودع بذلك الشعر، ويسرح النسيب، ثم غلب على أمره فقال نونيته السالفة طوعا لأمر الفؤاد.
كان ابن أبي ربيعة من أصبح الناس وجها، وكان عشقه شبيها بعشق الملوك، لتهافت الغواني عليه، والتفاف النساء حوله، فكان شعره لذلك ضائعا بين الأوصاف الظاهرة، والمحاسن البادية، فلا ترى له حسرة على فائت، ولا لهفة على مأمول، فلما صوح شبابه، وحان منه التذكر، نضب معين شعره، وتهدجت صبابته، برا بذلك القسم، ونزولا عند حكم المشيب، فكان نصيبه من الشعر الوجداني ضئيلا، لما ظلم عاطفته، وعق وجدانه وكان من القاسطين.
أنا لا أبخس ابن أبي ربيعة حظه من الشعر الوجداني، ولا أبعد أن يكون في ديوانه من هذا النوع شيء كثير، ولكني أقول: إن الرجل الذي يبهر الناس شعره في مجالس الأنس، ويروقهم حديثه عن اللهو واللعب، لجدير أن يقرح أجفانهم، ويفتت أكبادهم، لو بكى عهوده السوالف ومعاهده المقفرات.
ولكن أبى الجد العاثر إلا أن توضع هذه الأغلال في أعناق الشعراء فيمسون كالبلابل الموثقة الحبيسة، لا تستطيع التغريد، ولا تملك الترجيع.
وما عسى أن يكون حزن بشار وبثه، وقد نهاه المهدي عن التشبيب، وحال بينه وبين ما يشتهي من الغزل، ومداعبة النساء.
Halaman tidak diketahui