Keindahan Fantasi
بدائع الخيال
Genre-genre
جرى كل ذلك وباهوم ساكت لا يحرك ساكنا، ينظر والها إلى المزرعة وهي تباع قطعة قطعة، إلى أن كان ذات يوم وقد سمع أن أحد جيرانه ابتاع من السيدة قطعة من المزرعة تبلغ الخمسين فدانا، وقد دفع نصف ثمنها نقدا، وتعهد بدفع الباقي أقساطا لمدة سنة، فناجى نفسه يقول: «إلى متى أظل ساكنا والأرض تباع؟!» ثم حدث امرأته بآماله، وقد خاطبها قائلا: «ألا ترين كيف أن أهل القرية يتهافتون على شراء المزرعة ونحن هنا لا نحرك ساكنا؟ كلا؛ إن هذا لا يطاق، يجب أن نسعى في شراء قطعة من الأرض، ولو عشرين فدانا على الأقل، سيما وأن الحياة أصبحت عبئا ثقيلا بمضايقة هذا الفظ وكيل السيدة.»
ثم فكرا كثيرا في الأمر، وتصفحا كل وجوه الرأي، وأخيرا قر رأيهما على الشراء، ولم يكن عند باهوم سوى بضع عشرات من الروبلات، فباع مهرة كانت عنده، وباع كذلك نصف ما لديه من خلايا النحل، وبعض أثاث المنزل، وأجر اثنين من أولاده في إحدى المزارع لمدة عام، وأخذ أجرتهما مقدما، ثم اقترض الباقي من أحد أنسبائه، فتوفر لديه جملة من المال يمكنه بها شراء قطعة صالحة من الأرض، فذهب إلى السيدة وساومها في قطعة من الأرض تبلغ الأربعين فدانا، وفيها أجمة صغيرة، واتفق معها على دفع نصف الثمن فورا، وتعهد بدفع الباقي أقساطا على سنتين، وحرر على نفسه وثيقة بالمبلغ. •••
تمت المبايعة، وسجلت بمحكمة البلدة، ووضع باهوم يده على الأرض، ثم مضى العام وكان المحصول جيدا، فوفى ما عليه من الديون، وبذا أصبح يملك قطعة من الأرض يجول النظر فيها على بقاع فسيحة شتى الألوان كثيرة النماء، وكان كلما مر بأرضه الجديدة رقص قلبه طربا، ونظر إليها بغير العين التي كان ينظر إليها من قبل، فعاش ردحا من الزمن لا يعكر صفو حياته إلا تسرب مواشي الجيران إلى الحقل من حين لآخر، فلولا هذا المعكر لكان هناؤه أتم، إلا أنه احتمل ذلك في مبدأ الأمر، واكتفى بتحذير أصحاب المواشي، غير أن ذلك التحذير لم يجد نفعا، فعمد إلى التقاضي، وأدى به الأمر إلى مشاكل عديدة، أحفظت عليه صدور أهل القرية؛ فأخذوا يعادونه سرا وجهرا، أو يطلقون مواشيهم ترتع في مراعيه عمدا ، بعد أن كانت تتسرب من نفسها على غير قصد، ثم هموا مرارا بإحراق مزرعته وإيصال الأذى إليه بطرق مختلفة؛ مما أدى إلى شدة البغضاء واتساع خرق العداء، وبذا فقد هناءه القديم، وأصبح مشغول البال لا يغمض له جفن، ولا يهنأ له عيش.
وشاع في ذلك الوقت أن هناك أراضي زراعية جديدة عرضتها الحكومة للاستثمار، وأن الناس من جميع القرى يهاجرون إلى تلك الأراضي، ففكر باهوم في نفسه وقال: «فليهاجر من أراد من أهل القرية، أما أنا فلا أبرح مكاني، وسوف أنتهز هذه الفرصة لتوسيع ممتلكاتي، فأشتري بعض الأراضي التي يتركها أصحابها.»
وبينما كان باهوم يمني النفس بهذه الآمال؛ إذ نزل بضيافته قروي كان مارا بعزبته، فأكرم باهوم مثواه، فسأله أين كان، فأخبره القروي أنه كان يشتغل في جهات (الفولجا)، حيث الأراضي التي كانت تستعمر حديثا هناك، وأفضى به الحديث إلى وصفها والإطناب في خصوبتها وجودتها، زاعما أن الشيلم الذي يزرع في تلك الأراضي ينمو حتى يصير طوله أعلى من قامة الفرس، ثم أتم حديثه قائلا: «إن أولياء الأمور هناك يتبرعون بخمسة وعشرين فدانا لكل من أراد استثمار تلك الأراضي الخصبة، وإن رجلا من أهل قرية باهوم حضر تلك الجهات صفر اليدين خالي الوفاض، فأصبح الآن يملك ستة خيول، ورأسين من البقر.»
فقال باهوم في نفسه: «ما الذي يمنعني من هجر هذه البقعة الضيقة إلى تلك البقاع الفسيحة؛ حيث الربح الوافر، والثراء العاجل؟! وإني لأكونن من الحمقى إذا لم أنتهز هذه الفرصة السانحة، ولكن علي أن أتحقق الأمر بنفسي أولا.»
كان الوقت شتاء، فقعد ينتظر أوائل الصيف، حتى إذا حل الربيع كان قد أتم معدات السفر، فركب زورقا بخاريا أقله حتى سمارا، ومن ثم قطع ثلاثمائة ميل على أقدامه، حتى وصل المكان المقصود، فوجد الأرض كما وصفها القروي، وعلم أن الفلاح المستثمر يعطى قطعة لا تقل مساحتها عن خمسة وعشرين فدانا، وأن هناك أراضي أخرى معروضة للبيع، قيمة الفدان منها لا يزيد عن ثلاث روابل، ففرح باهوم بهذا الاستكشاف، وقفل راجعا إلى قريته بعد أن تحقق صدق الخبر، وما وصل إليها حتى شرع في بيع ممتلكاته وتهيئة ما يلزم للمهاجرة هو وأفراد العائلة.
وفي أوائل فصل الربيع سافر إلى مقره الجديد وحط الرحال في قرية كبيرة من قرى تلك الأراضي، وكان حظه منها هو وأولاده خمسة أنصبة، بلغ مجموعها 125 فدانا في جهات متفرقة من القرية التي استوطنها؛ أي أضعاف ما كان يملكه في قريته الأولى، فأصبح لديه حقل واسع، ومرعى فسيح ترتع فيه كثير من الماشية، ثم مضت أيام اشتغل أثناءها باهوم بتخطيط المزرعة، وبناء العزبة، وشراء الدواب اللازمة للعمل؛ ولذا كان في مبدأ هجرته قانعا بحياته الجديدة فرحا بما رزقه الله، إلا أنه ما كاد يتم ما شرع فيه حتى تسلط عليه الطمع ثانيا، فصار ينظر إلى أرضه الجديدة بعين الاستصغار.
زرع في عامه الأول قمحا؛ فكان المحصول جيدا، فطمع في الزيادة، غير أن الأرض لم تسعفه بطلبته؛ لأنها كانت تتفاوت في الخصوبة، فلا تصلح جميعها لزراعة القمح، فعول على إيجار أراض أخرى تصلح لذلك، ففعل، إلا أن ذلك لم يرق في عينه أيضا؛ فكان يشكو من بعد الأرض وصعوبة النقل، ففكر في نفسه قائلا: «لو كنت أشتري قطعة مستقلة خارجة عن نطاق المشروع فأبني عليها ضيعة صغيرة؛ لكان لي من وراء ذلك فوائد جمة.»
وكانت هذه الفكرة ماثلة بذهنه يفكر بها من حين لآخر، ثم سار على هذه الوتيرة وهو يستأجر أرضا ويزرعها قمحا مدة ثلاثة أعوام، وكان الدهر مواتيا له، فربح أرباحا وفيرة؛ لجودة المحصول، إلا أن ذلك كله ما كان ليقلل من طمعه، بل كان يزداد تذمرا كلما فكر في المال الذي يصرفه للمؤاجر، واتفق أن أجر في العام الثالث قطعة من الأرض من بعض القرويين هو وأحد التجار، ثم وقع بينهما وبين أصحاب الأرض منازعات أدت إلى التقاضي، وأسفرت عن خسارتهما؛ فتذمر باهوم وقال في نفسه: «كل ذلك ما كان ليقع لو أن الأرض كانت لي خاصة.»
Halaman tidak diketahui