حتى كادوا يهلكون!
وذكر الخالديان
في كتاب أخبار مسلم بن الوليد هذه الحكاية، وذكرها غيرهما بأبسط مما ذكراها، فكتبناها بلفظ الأكثر.
قال دعبل بن علي الخزاعي: بينما أنا بباب الكرخ، إذ أنا بفتاة تسمى قرة، معروفة بظرفٍ وجمالٍ وشعر وأدب وغناء، وقد اجتازت، فتعرضت لها وقلت:
دموع عيني لها انبساط ... ونوم عيني به انقباض
فقالت:
وذا قليل لمن دهته ... بسحرها الأعين المراض
فقلت:
فهل لمولاى عطف قلبٍ ... أو للذي في الحشى انقراض؟
فقالت مسرعة من غير تلبث:
إن كنت تبغي الوصال منا ... فالوصل في ديننا قراض
قال دعبل: فلا أعلم أني خاطبت جارية تقطع الأنفاس بعذوبة ألفاظها، وتختلس الأرواح ببلاغة منطقها، وتذهل الألباب برخيم نغمها؛ مع تلاعة جيد، ورشاقة قد، وكمال عقل، وبراعة شكل، واعتدال خلق، قبلها. فحار والله البصر، وذهل اللب، وجل الخطب، وتلجلج اللسان، وتعلقت الرجلان، وما ظنك بالحلفاء أدنيت من النيران! ثم ثاب إلى عقلي، وراجعني حلمي، وذكرت قول بشار:
لا يؤنسك من مخبأةٍ ... قول تغلظه وإن جرحا
عسر النساء إلى مياسرةٍ ... والصعب يمكن بعدما جمحا
هذا لمن حاول ما دون الطمع فيه اليأس منه، فكيف بمن وعد دون المسألة، وبذل قبل الطلبة! فنقلتها من تلك القافية، وقلت:
أترى الزمان يسرنا بتلاق ... ويضم مشتاقا إلى مشتاق!
فقلت مسرعة:
ما للزمان تقول فيه وإنما ... أنت الزمان فسرنا بتلاق
قال دعبل: فاستتبعتها - وذلك في زمن إملاقي - فقلت: ليس لي إلا بيت مسلم بن الوليد صريع الغواني؛ فصرت إلى بابه، فاستوقفتها وناديته، فقلت: أحمل إليك الخير؛ معي وجه مليح، تقل له الدنيا بما فيها؛ مع ما أنا فيه من ضيقة وعسر، فقال: والله لقد شكوت ما كدت أبادرك بشكواه! إيت بها.
فلما دخلت قال: والله
1 / 25