124

Bada'i al-Sana'i fi Tartib al-Sharai

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

Penerbit

مطبعة شركة المطبوعات العلمية ومطبعة الجمالية ووصَوّرتْها: دار الكتب العلمية وغيرها

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

1327-1328

Lokasi Penerbit

القاهرة وبيروت

Genre-genre

Fiqh Hanafi
يُصَلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ يَنْصَرِفْنَ وَمَا يُعْرَفْنَ مِنْ شِدَّةِ الْغَلَسِ.
(وَلَنَا) قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ﵁: مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاةً قَبْلَ مِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ: صَلَاةُ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ بِمُزْدَلِفَةَ فَإِنَّهُ قَدْ غَلَّسَ بِهَا فَسُمِّيَ التَّغْلِيسُ بِالْفَجْرِ صَلَاةً قَبْلَ الْمِيقَاتِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعَادَةَ كَانَتْ فِي الْفَجْرِ الْإِسْفَارُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى تَأْخِيرِ الْعَصْرِ وَالتَّنْوِيرِ بِالْفَجْرِ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّغْلِيسِ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ لِكَوْنِهِ وَقْتَ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ، وَفِي الْإِسْفَارِ تَكْثِيرُهَا فَكَانَ أَفْضَلَ، وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ لِاشْتِغَالِ النَّاسِ بِالْقَيْلُولَةِ؛ وَلِأَنَّ فِي حُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ ضَرْبَ حَرَجٍ خُصُوصًا فِي حَقِّ الضُّعَفَاءِ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «صَلِّ بِالْقَوْمِ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ»؛ وَلِأَنَّ الْمُكْثَ فِي مَكَانِ صَلَاةِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، قَالَ ﷺ:: «مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ وَمَكَثَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ أَرْبَعَ رِقَابٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ»
وَقَلَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْرَازِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ عِنْدَ التَّغْلِيسِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَمْكُثُ فِيهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ إحْرَازِهَا عِنْدَ الْإِسْفَارِ فَكَانَ أَوْلَى، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الدَّلَائِلِ الْجَمِيلَةِ فَنَقُولُ بِهَا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، لَكِنْ قَامَتْ الدَّلَائِلُ فِي بَعْضِهَا عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ لِمَصْلَحَةٍ وُجِدَتْ فِي التَّأْخِيرِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ لِئَلَّا يَقَعَ فِي السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمُسَارَعَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مُسَارَعَةٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَدَاءَ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُسَارَعَةٌ لِمَا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهَا؟ وَقِيلَ فِي الْحَدِيثِ: إنَّ الْعَفْوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْفَضْلِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة: ٢١٩] أَيْ الْفَضْلَ، فَكَانَ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مَنْ أَدَّى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ فَقَدْ نَالَ رِضْوَانَ اللَّهِ، وَأَمِنَ مِنْ سَخَطِهِ وَعَذَابِهِ؛ لِامْتِثَالِهِ أَمْرَهُ وَأَدَائِهِ مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَدَّى فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَقَدْ نَالَ فَضْلَ اللَّهِ، وَنَيْلُ فَضْلِ اللَّهِ لَا يَكُونُ بِدُونِ الرِّضْوَانِ فَكَانَتْ هَذِهِ الدَّرَجَةُ أَفْضَلَ مِنْ تِلْكَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ فَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَاتِ إسْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ فَإِنْ ثَبَتَ التَّغْلِيسُ فِي وَقْتٍ فَلِعُذْرِ الْخُرُوجِ إلَى سَفَرٍ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ كُنَّ النِّسَاءُ يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ ثُمَّ أُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ، اُنْتُسِخَ ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَمَّا فِي الظُّهْرِ فَالْمُسْتَحَبُّ هُوَ آخِرُ الْوَقْتِ فِي الصَّيْفِ وَأَوَّلُهُ فِي الشِّتَاءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ يُعَجِّلْ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ يُؤَخِّرْ يَسِيرًا لِمَا ذَكَرْنَا.
وَرُوِيَ عَنْ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ أَنَّهُ قَالَ: شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا، فَدَلَّ أَنَّ السُّنَّةَ فِي التَّعْجِيلِ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ»؛ وَلِأَنَّ التَّعْجِيلَ فِي الصَّيْفِ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ لِاشْتِغَالِ النَّاسِ بِالْقَيْلُولَةِ، وَإِمَّا الْإِضْرَارُ بِهِمْ لِتَأَذِّيهِمْ بِالْحَرِّ.
وَقَدْ انْعَدَمَ هَذَانِ الْمَعْنَيَانِ فِي الشِّتَاءِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَعْنَى الْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاذٍ ﵁ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ: «إذَا كَانَ الصَّيْفُ فَأَبْرِدْ بِالظُّهْرِ فَإِنَّ النَّاسَ يُقِيلُونَ فَأَمْهِلْهُمْ حَتَّى يُدْرِكُوا، وَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَصَلِّ الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ فَإِنَّ اللَّيَالِيَ طِوَالٌ» وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ خَبَّابُ أَنَّهُمْ طَلَبُوا تَرْكَ الْجَمَاعَةِ أَصْلًا فَلَمْ يَشْكُهُمْ لِهَذَا، عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَلَمْ يُشْكِنَا أَيْ يَدَعْنَا فِي الشِّكَايَةِ بَلْ أَزَالَ شَكْوَانَا بِأَنْ أَبْرَدَ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْعَصْرُ فَالْمُسْتَحَبُّ فِيهَا هُوَ التَّأْخِيرُ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَمْ يَدْخُلْهَا تَغْيِيرٌ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ جَمِيعًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّعْجِيلُ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِي حُجْرَتِي»، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي وَيَنْحَرُ الْجَزُورَ وَيَطْبُخُ الْقُدُورَ وَيَأْكُلُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» .
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ»، وَهَذَا مِنْهُ بَيَانُ تَأْخِيرِهِ لِلْعَصْرِ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ الْعَصْرَ لِأَنَّهَا تُعْصَرُ أَيْ تُؤَخَّرُ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ تَكْثِيرُ النَّوَافِلِ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ بَعْدَهَا مَكْرُوهَةٌ فَكَانَ التَّأْخِيرُ أَفْضَلَ، وَلِهَذَا

1 / 125