صلى الله عليه وسلم ، وكانت سببا في الفرقة بينهم والعداوة، وكانت دعوة الرسول توحيد العبادة بتوحيد المعبود: توحيد الله (تعالى) الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، فاطر السموات والأرض الواحد الأحد القيوم الذي إليه الرجعى وإليه النشور، فصارت بلاد العرب تدين بوحدانية الله، والعرب كانوا في جزيرة العرب ملكا للفرس في اليمن، وأحرارا جمهوريين في مكة ويثرب، وكانت دعوة الرسول متجهة إلى توحيد الوطن تحت لواء واحد هو لواء العربية الموحدة، فصارت بلاد العرب كما أراد لها
صلى الله عليه وسلم .
وكان العرب في العراق والشام ومصر عبيدا للفرس والروم، وكانت دعوة الرسول إلى الوطنيين بعدما خلت أم الجزيرة من الشرك ومن نير الأجنبي، أن جاهدوا وحرروا إخوانكم في هذه البلاد النائية، ووحدوا كيان الجنس العربي حيث يكون؛ فأصبحت بلاد الجنس العربي حرة على يد صاحبيه أبي بكر وعمر في عشر سنين.
وكانت الدنيا فيما وراء ذلك شقية بحكامها، مرزوءة بنظمها ومعتقداتها، لا حق للشعوب في شيء من الحرية الصحيحة؛ إذ كان خيرها مقصورا على الحكام الزمنيين والدينيين في الأمة، وخير الأمة مقصورا عليها، أما جيرانها فأشقياء بأنفسهم وبجيرتهم، فدعا الرسول إلى التوحيد كذلك في الإنسانية. دعا إلى الإخاء العام والحرية العامة، ورفع الاضطهاد من الجنس للجنس المخالف، وإلى التسوية بين الناس ما داموا على شرعة واحدة، ومن ثم دخلت الأمم في دين الله دين الفطرة الشاعرة بوحدانية الله، الراغبة في العيش والسلام والإخاء العام: دين الإسلام البار والعربية الداعية، وصاروا في الحقوق مع العرب سواء؛ لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وتاريخ فارس وتركستان وإفريقية أظهر دليل على ذلك وأقواه، ومن ثم نرى اليوم بين مسلم الشرق ومسلم الغرب صلة نفسية قوية أسقطت فروق الجنس إسقاطا تاما، وتيسر بفضل الإسلام ما عجز عن تحقيقه علماء الاشتراكية ودعاة الإنسانية وحكومات أوربة بالرغم من عصبها ومواثيقها ومعاهداتها.
هذا هو مقصد دين الإسلام الذي دعا إليه محمد خير خلق الله، وهذا ما تحقق فكان العالم صعيدا واحدا، وكانت الدولة قوية في مجموعها، لم يستطع أن يفتئت عليها أحد أو يلحق بها أذى، فلما استنام المسلمون إلى الدهر، وغفلوا عن سر عظمتهم، وحقيقة هذا الدين، وما كان لهم فيه من عصمة - كان ما هو حاصل من تفتتهم ووشك ذهاب ريحهم، ثم رأوا أوربة في منعة فالتفوا يبحثون عن سر ذلك ويلتمسون الدواء والنجاء، والدواء في يدهم والنجاء قريب لو درسوا مبادئ الإسلام، ولكنهم لم يفعلوا، بل فتنوا بمبادئ أوربة العنيدة التي لم يشأ لها سادتها أن تعتنق الإسلام احتفاظا بما كان في أيديهم من القوة والسلطان، حتى إذا لقيت شعوبها ما لقي من قبلهم، وأخذت تلتمس المخرج من الشرور التي تكتنفها، لم يخرجها مما كانت فيه إلا نور انبعث إليها من الإسلام في الأندلس، ومن الإسلام في الحروب الصليبية، وأخذ كتابهم يدلون بآراء هي نضح آراء الإسلام؛ كالاشتراكيين إذ ينادون بضرورة نشر مبادئ الإنسانية التي هي - كما مر بك - من قواعد الإسلام ومن أجلها جاهد العرب؛ إذ قال دينهم
إنما المؤمنون إخوة ، وقال نبيهم: «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى»، وكالاجتماعيين الذين يقولون بالديمقراطية وهي من قواعد الإسلام التي أعلنها الرسول؛ إذ جعل للموالي من الحقوق وفرص الحياة ما للسادة، فكان منهم القضاة والحكام والولاة.
والراشونالست الذين لا يرون أن يكون للدين أكليروس وكهنوت يحرمون ويمنعون، ولا للدنيا أن يكون الملك فيها على غير إرادة الجمهور، وهو شرعة الحكم في الإسلام، وكالأطباء الذين يرون ضرورة إجراء تمرينات رياضية كل صباح، والنظافة طول النهار، والصوم في بعض الأيام، وهذه من قواعد الإسلام، وكالكماليين الذين يرون أن يعمر القلب في ليله ونهاره بالتقوى وحب الخير، وهو ما قرره الإسلام في جعل الصلاة مع أقسام اليوم، وكالقانونيين الذين يرون ألا يكون الزواج رباطا من حديد يقضي على الزوج والزوجة أن يظلا عليه ولو انتفت مصلحتهما منه وترتبت عليه شرور، وذلك ما راعاه الإسلام، وكالاجتماعيين - ثانيا - الذين يرون من حق الحكومة أن تأخذ من فيض الله على الأغنياء قسطا معلوما تصلح به حال من قعد بهم الفقر والمرض أو العجز والشرور الطارئة؛ حتى لا تثور النفوس المحرومة وتعبث بالسلام والحياة الاجتماعية كما يحصل في أوربة وغير أوربة من الأمم، ومطلوبهما هذا من قواعد الإسلام حين قرر الزكاة، وحين جعل الإحسان إلى الناس من كفارة الذنوب والتقصير في أداء الفروض الدينية.
أقول كل هذا من شرائع الإسلام ومبادئه الأساسية، أهملناها فأهملتنا الدنيا، ثم لما تنبهنا على روعة مما نرى لأوربة من المنعة والعز والسلطان عكفنا ندرس أبحاثهم وفلسفتهم وخطبهم ومواثيقهم بعضهم مع بعض، ففتنا بما يكتبون وما يقولون، وفتن المتطرفون بإلحادهم ولا دينيتهم، وخير ما وصلوا إليه حاضر بين أيدينا في ديننا ونظمنا وتاريخنا، وفي أن الإسلام دين الفطرة الذي لا يخجل عقل من اعتناقه، دين التوحيد الذي بني عليه الكون، فهو لا يغري بإلحاد ولا لادينية كما يغري سواه، إنما يكون الإلحاد فيما لا يقول بذلك، دين الديموقراطية التي كانت تشتاقها النفوس منذ عرفت الاجتماع، دين الإنسانية والمحبة والإخاء والمساواة، وهو أقصى ما وصلت إليه العقول. هو في شرعنا من أربعة عشر قرنا حين أنهم ما عرفوه إلا منذ عهد قريب جدا، ولا تزال حناجر بعض الأمم تطالب به حكامها وتثور من أجله، ومع ذلك لا يظفرون بشيء. •••
أشد عناصر الوطنية اتحاد الجنس واللغة والبيئة ثم الدين، وهذا ما اجتمع لنا نحن العرب مهما ترامت بلادنا، على أنه ترام لا يفصله فاصل؛ فوطننا العربي كتلة واحدة في ناحية من أرض الله، يشمل كل البقاع التي يشغلها العرب ويكون لهذا دولة واحدة، ولا افتئات منا في هذا؛ فإنه إذا جاز لبعض الأمم الأوربية أن تضم تحت جناحيها أجناسا وشعوبا وبلادا لا تتصل بها بأقل لحمة فمن حقنا من باب أولى أن نوحد وطننا العربي ونصونه، ونحج إلى كعبته شبانا وشيبا؛ لنتزود لحياتنا من مهد الإسلام والعربية، وإذا قلنا وطننا فهو وطن جنسنا كله؛ أي: جميع الجزيرة العربية التي جئنا منها: الحجاز ونجد واليمن وحضرموت وعمان والبحرين والعراق والشام وفلسطين ومصر، وجيرتها التي عمرناها قبل الإسلام وبعده، وهي طرابلس وتونس والجزائر ومراكش والسودان والصحراء الكبرى وأواسط أفريقيا والجزر المتصلة بها، هذه بلاد العرب من قبل أن يبعث النبي
صلى الله عليه وسلم
Halaman tidak diketahui