فإن تكن الأيام أحسن مرة ... إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب
قوله: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ
[سورة يس، الآية: ٤٠]، يعني ينبغي لها.
أي: لو كانت تطلب إدراك القمر لما حصلت لها بغيتها، ولا ساعدتها طلبتها يقال: بغيت الشيء، فانبغى لي. أي طلبته، فأطلبني، وإذا لم ينبغ لها لو طلبت، فيجب أن لا يحصل الفعل منها البتّة، لأنّ الإدراك معناه اللّحوق وسببه الذي هو البغاء ممنوع منه، فكيف يحصل للسّبب؟ وأيضا فإنّ سرعة سير القمر وزيادته على سير الشّمس ظاهر فهو أبدا سابق لها بسرعته، وتلك متأخرة لبطؤها، وقوله: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ
[سورة يس، الآية: ٤٠] محمول على وجهين.
الأول: أن يكون المعنى بالسّبق أوّل إقباله وآخر إدبار النّهار.
والثاني: أن يكون المعنى آخر إدبار النّهار وأول إقبال الصّبح، وسبق اللّيل النّهار بإقباله أن يقبل أول اللّيل قبل آخر إدبار النّهار وهذا ما لا يكون.
وأما سبقه إيّاه بإدباره، فإن سبق آخر إدبار اللّيل أوّل إقبال الصّبح قبل كونه، وهذا أيضا لا يكون، ولا يجوز كونه لأنهما ضدّان يتنافيان ويتعاقبان فلذلك لم يجر سبق اللّيل النّهار في شيء من أحواله.
وقيل معنى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ
أي ليس لها أن تطلع ليلا، ولا القمر له أن يطلع نهارا لأنّ لكلّ منهما شأنا قدّر له ووقتا أفرد به، فلا يقع بينهما زاجر فيدخل أحدهما في حد الآخر قوله: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ
[سورة يس، الآية: ٤٠] أي كلّ واحد منهما له فلك يدور فيه فلا يملك انصرافا عنه؛ ولا تأخّرا إلى غيره، ولفظ الفلك يقتضي الاستدارة أي وكلّ له مكان من مسبحه مستدير يسبح فيه أي يسير بانبساط، ومنه السّباحة، وقال تعالى لنبيّه: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحًا طَوِيلًا
[سورة المزمل، الآية: ٧] ولا يمنع أن يكون يشير بقوله: في فلك إلى الذي هو فلك الأفلاك، وإذا جعل على هذا فهو أبهر في الآيات، وأدلّ على اقتدار صانعه وإنمّا قال: يسبحون لأنّه لمّا نسب إليها على المجاز والسعة أفعال العقلاء المميّزين جعل الاخبار عنها على ذلك الحد، ومثله: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ
[سورة يوسف، الآية: ٤] وهذا كثير.
ومنه قوله تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ
[سورة الإسراء، الآية: ١٢] الآية نبه بهذه الآية، وبقوله إنّ عدّة الشهور الآية على نعمه على خلقه فيما إن شاء حالا بعد حال لهم، وابتدعه وما عرف مصالحه وقتا بعد وقت، فيما قدّر لهم فكر وذكر ونصب للحاضرة والبادية من الأعلام والأدلة بالمنازل والأهلّة، ومطالع النّجوم السّيارة وغير السّيارة حتى جعلت
1 / 23