فقال سعيد: أأعجبتك هذه أيضا؟ إنها قطعة من الطبيعة الصامتة قلما يعبأ أحد بمثلها.
فقال فؤاد في رنة تشبه الحزن: بل هي قطعة من الإنسانية، ألا تسميها البدوية الحسناء؟
فصاح سعيد: أحسنت التسمية، إن ذلك الاسم لم يخطر ببالي، ولكنها تشبهها إذ تتبرج ضاحكة في ثيابها الفقيرة وأقدامها الحافية الخشنة.
فقال فؤاد في صوت خافت: أرأيت يوما مثلها؟
ولم ينتظر جوابه والتفت كأنه ينزع عينه من تلك الصورة قسرا، واتجه إلى صورة أخرى منزوية في ركن إلى جانب صورة الزنجي، كانت صورة فتاة في نحو الثامنة عشرة بيضاء الوجه زرقاء العينين شقراء الشعر، وكان في نظرتها معنى من وداعة وظرف يخالطهما لون من حزن وخوف، وكانت واقفة على قطعة صخرية عالية من شاطئ، وتهم بالنزول إلى صخرة بين الموج، تمسك بجانب ثوبها الأبيض وترفعه في حذر ناظرة إلى ما تحت قدميها، كأنها تخشى أن يصيب الموج حذاءها الأبيض الناعم الدقيق، وكانت الأمواج تضطرب دونها متكسرة على صخور الشاطئ في عنف.
وقال فؤاد وهو ينظر إليها: حقا إن مثلي ممن ينظرون إلى أعمال الفن من ظاهرها يسيئون إليها إساءة كبرى.
فقال سعيد: ولكنك تنظر إلى الأعماق يا صديقي.
فقال فؤاد: لقد كدت أعيد غلطتي الأولى فأعبر عن هذه اللوحة بلفظي كما فعلت مع صورة الزنجي، كدت أقول: إنك جمعت فيها جانبا آخر من فلسفتك.
فقال سعيد: ولكنك أحسست مثل إحساسي وتعمقت إلى ما هو أبعد منالا مني، فأنا أحس وأمزج ألواني ولا أحاول أن أحدد ما أحسه في ألفاظ.
فأجاب فؤاد: وأنا أفسد عليك ما تحس بأن أقرأ فيه ما اعتدنا أن نقرأه في صحف الصباح أو المساء.
Halaman tidak diketahui