ومضى به أخوه بعد ذلك إلى الأزهر، فقدمه إلى أستاذه الذي علمه مبادئ الفقه والنحو سنة كاملة.
الفصل العشرون
إنك يا ابنتي لساذجة سليمة القلب طيبة النفس، أنت في التاسعة من عمرك، في هذه السن التي يعجب فيها الأطفال بآبائهم وأمهاتهم، ويتخذونهم مثلا عليا في الحياة: يتأثرونهم
1
في القول والعمل، ويحاولون أن يكونوا مثلهم في كل شيء، ويفاخرون بهم إذا تحدثوا إلى أقرانهم أثناء اللعب، ويخيل إليهم أنهم كانوا أثناء طفولتهم كما هم الآن مثلا عليا يصلحون أن يكونوا قدوة حسنة وأسوة صالحة.
أليس الأمر كما أقول؟ ألست ترين أن أباك خير الرجال وأكرمهم؟ ألست ترين أنه قد كان كذلك خير الأطفال وأنبلهم؟ ألست مقتنعة أنه كان يعيش كما تعيشين أو خيرا مما تعيشين؟ ألست تحبين أن تعيشي الآن كما كان يعيش أبوك حين كان في الثامنة من عمره؟ ومع ذلك فإن أباك يبذل من الجهد ما يملك وما لا يملك، ويتكلف من المشقة ما يطيق وما لا يطيق، ليجنبك حياته حين كان صبيا.
لقد عرفته يا ابنتي في هذا الطور من أطوار حياته، ولو أني حدثتك بما كان عليه حينئذ لكذبت كثيرا من ظنك، ولخيبت كثيرا من أملك، ولفتحت إلى قلبك الساذج ونفسك الحلوة بابا من أبواب الحزن، حرام أن يفتح إليهما وأنت في هذا الطور اللذيذ من الحياة، ولكني لن أحدثك بشيء مما كان عليه أبوك في ذلك الطور الآن، لن أحدثك بشيء من هذا حتى تتقدم بك السن قليلا فتستطيعين أن تقرئى وتفهمي وتحكمي، ويومئذ تستطيعين أن تعرفي أن أباك أحبك حقا، وجد في إسعادك حقا، ووفق بعض التوفيق لأن يجنبك طفولته وصباه.
نعم يا ابنتي! لقد عرفت أباك في هذا الطور من حياته، وإني لأعرف أن في قلبك رقة ولينا، وإني لأخشى لو حدثتك بما عرفت من أمر أبيك حينئذ أن يملكك الإشفاق وتأخذك الرأفة فتجهشي بالبكاء.
لقد رأيتك ذات يوم جالسة على حجر أبيك وهو يقص عليك قصة «أوديب ملكا»، وقد خرج من قصره بعد أن فقأ عينيه لا يدري كيف يسير، وأقبلت ابنته «أنتيجون» فقادته وأرشدته، رأيتك ذلك اليوم تسمعين هذه القصة مبتهجة من أولها، ثم أخذ لونك يتغير قليلا قليلا، وأخذت جبهتك السمحة تربد
2
Halaman tidak diketahui