تناولوا جميعا القليل من الشراب. ووقف الساقي، خجلا لكن مبتهجا، على ساق واحدة بجانب الطاولة، بالصينية في يده. وقال مجددا بحماس: «زلزال يا سيدي، زلزال كبير!» كان يتقد حماسا للكلام؛ وكذلك كان كل فرد من الآخرين. فقد غمرهم جميعا شعور غير معتاد ببهجة الحياة بمجرد أن غادر سيقانهم شعور القلقلة. فإن الزلزال يصير مسليا للغاية حين ينتهي. فإنه مما يبث في النفس بهجة شديدة أن تتبصر أنك لست جثة هامدة تحت كوم من الأنقاض، كما كان من الوارد جدا. وهكذا انطلقوا كلهم في الكلام بالإجماع: «ويحي، لم أر هزة كهذه في حياتي! لقد سقطت متمددا تماما على ظهري؛ شعرت كأن كلبا ضالا لعينا كان يحك نفسه تحت الأرض. اعتقدت أنه لا بد أن يكون انفجارا وقع في مكان ما.» وهكذا دواليك؛ ثرثرة الزلزال المعتادة. وحتى الساقي ضم للمحادثة.
قالت السيدة لاكرستين بلطف شديد، بالقياس إليها: «أعتقد أنك تتذكر الكثير جدا من الزلازل، أليس كذلك أيها الساقي؟» «أجل يا سيدتي، العديد من الزلازل! عام ألف وثمانمائة وسبعة وثمانين، وألف وثمانمائة وتسعة وتسعين، وألف وتسعمائة وستة، وألف وتسعمائة واثني عشر ... أتذكر العديد والعديد منها يا سيدتي!»
قال فلوري: «زلزال ألف وتسعمائة واثني عشر كان كبيرا بعض الشيء.» «لكن زلزال ألف وتسعمائة وستة كان أكبر يا سيدي! كانت هزة فظيعة جدا يا سيدي! وقد سقط صنم وثني كبير في المعبد فوق ال «ثاثانابينج»؛ أي الأسقف البوذي يا سيدتي، وهو ما يقول البورميون إنه فأل سيئ ينذر بفساد محصول الأرز والحمى القلاعية. أتذكر أيضا أول زلزال لي عام ألف وثمانمائة وسبعة وثمانين، حين كنت غلاما صغيرا، وكان الميجور ماكلاجان مستلقيا تحت الطاولة يعد بأنه سيوقع التعهد بالامتناع عن المسكرات في صباح اليوم التالي. لم يكن يعلم أنه زلزال. كذلك ماتت بقرتان من سقوط السقف عليهما ... إلخ».
مكث الأوروبيون في النادي حتى منتصف الليل، وتردد الساقي على الحجرة في زيارات قصيرة نحو ست مرات، ليحكي طرفة جديدة. ولم يوبخه الأوروبيون على الإطلاق، بل إنهم شجعوه على الحديث. لا شيء يضاهي الزلزال في الجمع بين الناس. هزة أخرى، أو ربما اثنتان، وكانوا سيطلبون من الساقي أن يجلس معهم إلى الطاولة.
في الوقت ذاته لم يتطور عرض فلوري عما وصل إليه. فلا يمكن لأحد أن يتقدم للزواج بعد زلزال مباشرة. وهو على كل حال لم ير إليزابيث بمفردها ما تبقى من ذلك المساء. لكن لا بأس بذلك؛ إذ كان يعلم أنها صارت له. سيكون في الصباح وقت كاف. بناء على هذا الخاطر، خلد إلى الفراش، مطمئن البال، ومنهك الجسد بعد اليوم الطويل.
الفصل السادس عشر
انطلقت النسور المقيمة على أشجار البينكادو السامقة عند الجبانة من على فروعها التي صبغتها فضلات النسور بلون أبيض، وراحت تحلق في توازن، صاعدة إلى أعالي السماء بحركات حلزونية. كان الوقت مبكرا، لكن كان فلوري قد خرج بالفعل. كان ذاهبا إلى النادي، لينتظر حتى تأتي إليزابيث ثم يطلب منها الزواج رسميا. فقد حثه دافع ما، لم يفهمه، على فعل ذلك قبل أن يعود الأوروبيون الآخرون من الغابة.
وحين خرج من بوابة المجمع وجد أن هناك وافدا جديدا في كياوكتادا. كان يعدو عبر الميدان على مهر أبيض شاب في يده رمح طويل مثل الإبرة. وكان يجري وراءه بعض السيخ، الذين بدوا مثل الجنود الهنود، يقتادون مهرين آخرين، أكمت وكستنائي، من لجاميهما. حين صار فلوري على نفس المستوى معه توقف على الطريق وصاح قائلا: «صباح الخير.» لم يكن قد تعرف على الشاب، لكنه من المعتاد في القواعد الصغيرة أن ترحب بالغرباء. لاحظ الآخر أن هناك من ألقى عليه التحية، فاستدار بمهره في تراخ وأخذه إلى جانب الطريق. كان شابا في حوالي الخامسة والعشرين، نحيل القامة لكن شديد الاستقامة، ينم مظهره عن أنه ضابط في سلاح الفرسان. كان له واحد من تلك الوجوه الشبيهة بوجوه الأرانب الشائعة بين الجنود الإنجليز، بعينين ذاتي زرقة فاتحة وأسنان أمامية على شكل مثلث صغير ظاهرة بين الشفتين؛ لكنه كان صلبا وجسورا بل وقاسيا على نحو غير مبال. أرنب، ربما، لكن أرنب صارم وعسكري. جلس على حصانه كما لو كان جزءا منه، وقد بدا يافعا ومتمتعا باللياقة البدنية بشكل يثير الغيظ. وكان وجهه النضر مسمرا بدرجة لائقة تماما بعينيه ذاتي اللون الفاتح، وقد بدا أنيقا كالصور بقبعته البيضاء المصنوعة من جلد الغزال وحذائه البولو الطويل الذي كان يلمع مثل غليون عتيق من الميرشوم. انتاب فلوري شعور بالضيق في حضرته منذ البداية.
قال فلوري: «كيف حالك؟ هل وصلت لتوك؟» «وصلت ليلة أمس في القطار الأخير.» كان له صوت صبياني فظ. «لقد أرسلت إلى هنا مع مجموعة من الرجال للاستعداد في حال أثار المشاغبون في منطقتكم أي متاعب.» ثم أردف قائلا: «اسمي فيرال؛ شرطة عسكرية.» لكن دون أن يستفسر عن اسم فلوري في المقابل. «أجل. لقد سمعنا أنهم سيرسلون أحدا ما. أين تسكن؟» «في بيت المسافرين بصورة مؤقتة. كان ثمة شحاذ أسود مقيم هناك حين وصلت ليلة أمس؛ موظف ضرائب أو شيء من هذا القبيل. وقد طردته. هذا المكان جحر قذر، أليس كذلك؟» قال ذلك بحركة للوراء من رأسه، مشيرا إلى كياوكتادا بأسرها. «أعتقد أنها مثل سائر القواعد الصغيرة. هل ستبقى طويلا؟» «شهر واحد فقط أو نحو ذلك، حمدا لله. إلى حين هطول الأمطار. إن الميدان لديكم رديء بحق، أليس كذلك؟» ثم أضاف، وهو يحف الحشائش اليابسة برأس حربته: «من المؤسف أنهم لا يحرصون على قص هذه الأشياء. هذا يجعل لعب البولو أو أي شيء من هذا القبيل ميئوسا منه تماما.»
قال فلوري: «أخشى أنك لن تستطيع لعب البولو هنا. التنس هو أقصى ما يمكننا توفيره. فلا يوجد منا سوى ثمانية إجمالا، وأكثرنا يمضي ثلاثة أرباع وقته في الغابة.» «يا للهول! يا له من جحر!»
Halaman tidak diketahui