ضمت إليزابيث لوحي كتفيها إلى المقعد. كانت تأتي هذه الحركة أحيانا حين تشعر بسرور بالغ. كانت تحب فلوري، تحبه حقا، حين يتحدث على هذا النحو؛ إذ كانت أتفه ذرة معلومات عن الصيد تثير حماسها. ليته يتحدث عن الصيد دائما، بدلا من التحدث عن الكتب والفن وذلك الشعر البذيء! وفي فورة مفاجئة من الإعجاب قررت أن فلوري رجل وسيم جدا حقا، بطريقته. فقد بدا متمتعا بأروع سمات الرجولة، بقميصه المصنوع من قماش العمائم المفتوح عند الرقبة، والسروال القصير والقلشين وحذاء الصيد! ووجهه المتغضن المسفوع مثل وجه جندي. كان واقفا مشيحا بوجنته الموحومة عنها، وقد ألحت عليه ليستمر في الكلام. «فلتحك لي المزيد عن صيد الفهود. فهو موضوع مثير للغاية!»
وصف فلوري ما جرى، منذ عدة سنوات، من صيد فهد أجرب عجوز من آكلي لحوم البشر كان قد قتل أحد عماله. الانتظار في دريئة مليئة بالناموس؛ وعينا الفهد وهما تقتربان في الغابة المعتمة، مثل مصباحين أخضرين ضخمين؛ صوت الفهد وهو يلهث ويريل بينما يلتهم جثة العامل المقيدة بعمود بالأسفل. حكى فلوري القصة برمتها بفتور تام - أوليس من دأب الإنجليزي الهندي الممل المضروب به المثل، أن يتحدث عن صيد الفهود؟ - بيد أن إليزابيث ضمت كتفيها مبتهجة مرة أخرى. لم يفهم كيف أن حديثا كهذا كان يبث فيها الطمأنينة ويعوضها عن كل المرات التي أثار فيها ضجرها وانزعاجها. جاء في آخر الممشى ستة شبان بشعر أشعث، يحملون سيوفا على أكتافهم، ويتقدمهم رجل عجوز نحيل لكن نشيط. توقفوا أمام منزل زعيم القرية، وأطلق أحدهم صيحة بصوت أجش، ظهر على أثرها الزعيم وقال إن هؤلاء هم مثيرو الطرائد. وكانوا على استعداد للبدء حينئذ إذا كانت السيدة الشابة لا تجد الجو شديد الحرارة.
مضوا في طريقهم. كان الجانب البعيد عن الجدول من القرية محاطا بسياج من الصبار بارتفاع ست أقدام وعرض اثنتي عشرة قدما. يصعد المرء ممرا ضيقا نبت فيه الصبار، ثم يسير في مسار مغبر تركت عجلات عربات الثيران فيه آثارها، وينمو على جانبيه بغزارة خيزران في طول ساريات الأعلام. وقد سار مثيرو الطرائد سريعا في صف واحد، كل منهم باسط سيفه على ساعده. أما الصياد العجوز فقد سار أمام إليزابيث مباشرة. كان إزاره مشمرا مثل مئزر الخصر، وفخذاه الهزيلتان موشومتين بأشكال زرقاء داكنة، شديدة التشابك كأنه يرتدي سروالا داخليا من الدانتيلا الزرقاء. كان يعترض الطريق عود خيزران في سمك معصم الرجل كان قد سقط. وقد قطعه أول مثيري الطرائد بضربة صاعدة من سيفه؛ فانبثق منه الماء المحبوس لامعا كالألماس. بعد نصف ميل وصلوا إلى الوديان المفتوحة، وكلهم يتصببون عرقا؛ إذ كانوا قد هموا في السير والشمس كانت قاسية.
قال فلوري: «ذلك هو المكان الذي سنصطاد فيه، هناك.»
أشار إلى الجانب الآخر من الجذامة، إلى سهل واسع بلون الغبار، مقسم إلى رقع بمساحة فدان أو اثنين يفصل بينها حدود طينية. كان مسطحا تسطيحا قبيحا، وخاليا من أي كائن حي اللهم إلا البلشون الثلجي. وفي الطرف القصي كان ينمو بانحدار غابة من الأشجار الضخمة، كأنها منحدر أخضر داكن. مضى مثيرو الطرائد إلى شجرة صغيرة مثل شجيرة الزعرور على بعد عشرين ياردة. جثا أحدهم، منحنيا للشجرة وهو يتمتم، بينما جعل الصائد العجوز يسكب على الأرض سائلا عكرا من زجاجة. ووقف الآخرون بوجوه جادة ضجرة مثل رجال واقفين في كنيسة.
تساءلت إليزابيث قائلة: «ماذا يفعل أولئك الرجال؟» «إنهم يقدمون القرابين لآلهة المنطقة. إنهم يسمونهم «النات »؛ نوع من جنيات الأشجار. إنهم يصلون لها حتى يحالفنا الحظ.»
عاد الصياد وبين بصوت أجش أنهم سيفزعون الحيوانات للفرار من مساحة صغيرة من الأجمة على اليمين قبل التقدم إلى الغابة الرئيسية. من الواضح أن «النات» قد أوصوا بهذا. وجه الصياد فلوري وإليزابيث إلى المكان الذي سيقفان فيه، مشيرا بسيفه. توغل مثيرو الطرائد الستة في الأجمة؛ كانوا سينحرفون عن الطريق ويطاردون الحيوانات حتى حقول الأرز. كان على بعد ثلاثين ياردة من حدود الغابة بعض شجيرات الجلنسرين، وقد اتخذ فلوري وإليزابيث مخبأهما خلف واحدة منها، بينما جلس كو سلا القرفصاء خلف أخرى، وقد أمسك بطوق فلو وراح يربت عليها لتظل هادئة. كان فلوري دائما ما يصرف كو سلا بعيدا حين يصيد؛ إذ كان لديه عادة مزعجة وهي الطرقعة بلسانه حين لا تصيب الرمية الهدف. بعد قليل تصاعد من بعيد صوت له صدى، صوت قرع وصيحات مجلجلة غريبة؛ لقد بدأت المطاردة. في الحال راحت إليزابيث ترتعش من دون سيطرة حتى إنها لم تستطع تثبيت ماسورة سلاحها. انطلق من بين الأشجار طائر غريب، أكبر قليلا من طائر السمنة، بجناحين رماديين وجسد قرمزي لامع، واقترب منهم وهو يطير على ارتفاع منخفض. اقترب صوت القرع والصيحات أكثر. واهتزت إحدى الشجيرات التي على حافة الغابة بشدة؛ أوشك حيوان ما ضخم أن يبرز منها. فرفعت إليزابيث سلاحها وحاولت تثبيته. لكن اتضح أنه كان فقط أحد مثيري الطرائد بجسده الأصفر العاري، وسيفه في يده. وقد أدرك أنه قد ظهر فنادى على الآخرين لينضموا إليه.
أنزلت إليزابيث السلاح وقالت: «ماذا حدث؟» «لا شيء. لقد انتهت المطاردة.»
فهتفت في إحباط شديد: «إذن لم يكن هناك شيء!» «لا تبالي، فلا أحد يحصل على أي شيء في أول مطاردة. سيحالفنا الحظ في المرة القادمة.»
عبروا الجذامة الوعرة، وهم يتسلقون الحدود الطينية التي قسمت الحقول، واتخذوا موضعا مواجها للجدار الأخضر الشاهق للغابة. كانت إليزابيث قد تعلمت بالفعل كيف تحشو سلاحها. لم تكد المطاردة تبدأ هذه المرة حتى صفر كو سلا صفيرا حادا.
Halaman tidak diketahui