سياسة العلم والحكمة، سياسة النظام، سياسة الله في نظامه، سياسة الأنبياء، ولعمرك ما حارب الأنبياء الأمم إلا ليصلوا للسلام، ولا أرهقوهم إلا ليغمدوا الحسام بالسلام العام، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
هذا الحجر ذو بريق ولمعان، أراه حسن الشكل يتلألأ نورا وبهجة، إن فيه لحل المشكلة الإنسانية، ونظام الجمعية البشرية، ذلك لأن المعادن من الذهب والفضة والنحاس والرصاص والقصدير وأمثالها وضعت في الأرض والجبال بمقدار.
ألا ترى الذهب كيف قل وجوده، والفضة كيف كانت أضعاف أضعافه، وإلى النحاس كيف كان أكثر منهما وأعم، وكذا الحديد والرصاص، إن في ذلك لعبرة، إن في قلة الرصاص ووفرة الذهب لحكمة، إن في ذلك لآيات للعاقلين، إنه تذكرة للناس ليعلموا أن العقول الإنسانية موزعة على أعمالهم توزيع المعادن على المنافع، فمن عطل عقلا عن الارتقاء، أو وضع نفسا في غير موضعها ، كان كمن استعمل الذهب موضع الحديد، أو حبس أحدهما عن الناس، ألا فلتقم كل أمة وكل فرد بما خلقوا له، وإلا عاشوا في أسوأ حال وبئس ما يصنعون.
المذكرة السادسة عشرة: إيضاح للتي قبلها
ركبت القطار فما أسرع أن سار، فرأيت الأمر فيه واضحا جليا ولكن أكثر الناس لا يعلمون، رأيت الحجرات من خشب مصنوعات، رأيت عوارض من حديد منصوبات، رأيت قضبانا على الأرض مسطوحات، ورأيت الركاب فيه معهم قليل من النقود الذهبية، وكثير من القطع الفضية، وهم عن الحكمة غافلون.
ذلك حل المشكلة الإنسانية ونظام الجمعية البشرية، ذلك أن الحاجة للحديد شديدة، وللخشب أشد، وللفضة قليلة، وللذهب أقل، فكان ترتيبها في الوجود موضوعا حسب الحاجة الداعية إليها، أفلا ينظرون إلى الخشب كيف كثر، وإلى الحديد كيف كان بمقدار الحاجة موفرا، ولم يكن للذهب من الحاجة الداعية ما للحديد.
الحديد جعل عوارض يمسك خشب الحجرات، والذهب يقضي بين المتبايعين في تنازع القيمة المبهمة في المبيعات، والفضة في صغريات الحاجات، الذهب سلطان وقاض كلي، والفضة أمير وقاض جزئي، فكان الأول أقل وجودا والثاني أوفر وأكثر في الكرة الأرضية، وفي الطبقات الصخرية، ولو أن الناس استبدلوا الذهب بالحديد في الماسكات والعوارض في الحجرات القطرية، أو جعلوا الحجرات في القطار من الحديد بدل الخشب لاختلط الأمر ووقفت الحركات، وعطلت البنوك، وحطم القطار، ورجع الناس إلى الهمجية، وارتطموا في الأحوال الوحشية، فكيف يسير القطار إذا كانت العوارض الماسكة لأجزاء الحجرات من خشب والحجرات من حديد؟ أم كيف يتعامل الناس بالحديد ويفصلون قضاياهم بالنحاس، وقد كثر وجودهما فرخص ثمنهما؟
تجلى الحق ووضح ألا نظام إلا بوضع المعادن والأشجار في مواضعها، وأن استبدال أحدهما بالآخر ظلم وسوء إدارة وجهل بالنظام، ألا ساء مثلا الجاهلون الظالمون.
هكذا تكون العقول البشرية، إنها نظمت تنظيما جميلا بحيث نرى أن الأذكياء في سائر الأمم يقلون كما قل الذهب دون سائر المعادن، ونرى الصالحين للإدارة العامة يكثرون كالحديد، وأكثر الناس قادرون على الأعمال الجسمية والصناعات اليدوية كالخشب في حجرات القطار وفي شبابيك النوافذ وأبواب الدار.
وزع الذهب وسائر المعادن على الجبال الأرضية، ولم تخص أرض دون أرض، وهكذا سائر المعادن غالبا، فهكذا العقول البشرية لم تخص أمة دون أمة ولا طائفة دون طائفة.
Halaman tidak diketahui