Kertas-Kertas Hidupku (Bahagian Pertama)

Nawal Saadawi d. 1442 AH
109

Kertas-Kertas Hidupku (Bahagian Pertama)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Genre-genre

دخل نجاح المدرسة الثانوية، عاش مع بعض أقاربه في عين شمس أو المطرية، كان يركب القطار كل يوم من البيت إلى المدرسة، القطار نفسه الذي كنت أستقله من محطة الزيتون حين كنت أعيش في بيت جدي، القطار نفسه الذي كان يدهس التلاميذ الفقراء تحت القضبان.

سقط نجاح وهو يجري ليلحق بالقطار كما كنت أجري وأنا تلميذة في مثل عمره، كان يرتدي حذاء جلديا اشترته له ستي الحاجة، انزلقت قدمه تحت القطار، بترت العجلات ساقيه الاثنتين، زرته في مستشفى الدمرداش، رأيته راقدا تحت الأغطية بلا ساقين، يتطلع حوله بعينيه الخضراوين الواسعتين ويتساءل في دهشة: راحت فين الجزمة الجديدة؟!

انشطر قلب ستي الحاجة من شدة الحزن ثم ماتت، قبل أن تموت قالت لابنتها الكبرى «عمتي فاطمة»: «إبعتي يا فطنة لاخوكي السيد علشان ييجي.» «ليه يا امه.» «أنا هاموت يا فطنة وعايزة أشوفه.» «تموتي إيه يا امه انتي زي الحصان، ما شاء الله.» «ابعتي يا بت لاخوكي، عاوزة اشوفه قبل ما اموت.»

هواجس الشك ويقين الإيمان

ماتت ستي الحاجة في دارها في قريتها كفر طحلة، ظل أهل الكفر يتحدثون عن موتها كما تحدثوا عن موت أمها.

لم أشهد موتها، لكنني زرت القرية بعد عامين، كانت عمتي فاطمة لا تزال تحكي الحكاية، ما إن جلست إلى جوارها حتى قربت فمها من أذني وراحت تعيد القصة من أولها لآخرها، ترددها كل يوم بلا كلل أو ملل حتى ماتت هي الأخرى، صوتها يسري في الليل كأنما سمعتها بالأمس وليس منذ أربعين عاما تقريبا. «ستك الحاجة ماتت موتة الكل يتمناها، صحيت الفجر زي عادتها، اتوضت وصلت ونادت علي، صحيت على صوتها يقول: يا فطنة، قلت عاوزة إيه يا أمه، قالت باين يا بنتي العمر خلاص، نادي على اخواتك كلهم، وابعتي حد يسافر مصر يقول لاخوكي السيد تعالى حالا، أمك عاوزة تشوفك قبل ما تموت. قلت: يا امه الشر برة وبعيد، وانتي كويسة خالص.

كانت ما شاء الله زي عادتها، قامت كنست الدار ورشت القاعة بمية الزير، ولبست الجلابية السودا، وبخرت القلة، وحطت فيها مية الزهر. وقالت: لأجل أخوكي السيد يشرب منها، أصله يا ضنايا ماكانش يشرب الميه إلا وعليها الزهر. ورقدت على الحصيرة وراسها ناحية القبلة، وقالت: عشان اموت وراسي ناحية مكة المكرمة وقبر الرسول صلاة النبي عليه ألف صلاة. يا ضنايا يا ابني لما تيجي وتشوف امك وهي بتموت، دا انت يا ابني طول عمرك قلبك حنين، لكن خلي قلبك شديد يا عين امك، ده انا رايحة الجنة حدف؛ لأجل زرت قبر النبي، وعملت الخير، وربيت خمس بنات يتامى، وأخوهم الشقيق وأخوه الشيخ محمد من الأب. قومي يا فطنة ادبحي فرخة واعملي شوية ملوخية لاخوكي السيد، ونادي على نفيسة تحمي الفرن وتعمل فطيرتين، وخلي زينب بنت بهية تروح الغيط تجيب شوية تين.

وفضلت ستك الحاجة على كدة من الصبح لغاية المغرب، وكانت تسكت شوية ونقول خلاص ماتت، وبعد شوية تصحى وتقرأ سورة يس وتكلم عزرائيل كأنه واقف قصادها، تقوله: ابعد عني يا عزرائيل لغاية ابني ما ييجي، نفسي أشوفه قبل ما اموت، لا يمكن تاخدني يا عزرائيل قبل ما اشوف ابني السيد. قومي يا فطنة شوفي اخوكي اتأخر ليه، وانت يا واد يا حسني خد البريزة دي هات باكو شاي وسكر من دكانة عمك الحاج عفيفي علشان خالك السيد بيه لما ييجي والرجالة تملا الدار. وانتي يا بت يا نعيمة هشي الدبان من على وشك عشان خالك البيه يقول عليكي نضيفة وحلوة، وانتي يا نجية خدي الزلعة امليها من البحر عشان مية الزير قربت تخلص.

وفضلت ستك الحاجة على كدة طول النهار، تموت ونتشاهد عليها وبعدين تصحى وتقول: ابعد عني يا عزرائين ربنا يخدك، هو السيد ابني لسه ماجاش؟ أنا شيفاه أهه جاي على المزلقان! قومي يا بت يا فطنة قابلي اخوكي على المزلقان! وقمت زي ما ستك الحاجة قالت لي، ولقيت ابوكي جاي ع المزلقان، كان يا عين امه وشه اصفر زي اللمونة. ركب أول قطر لغاية بنها، وبعدين ركب التاكسي وقف بيه في السكة فوق الجسر بعد طحلة بشوية، وجه ماشي لغاية المزلقان. وستك الحاجة راسها وألف سيف لا يمكن تموت ولا تخلي عزرائيل يقرب لها إلا بعد ما تشوفه. وأخذته بالحضن ع المزلقان، وقلت له امك مستنياك يا اخويا. وكانت ستك الحاجة خلاص اتشاهدوا عليها وغطوها، لكن أول لما سمعت صوت ابوكي شالت الغطا، فتحت عينيها وأخذته في حضنها زي عوايدها، وهي تقول له: اتأخرت كدة ليه يا ابني؟ قال لها التاكسي وقف في السكة يا امه، قالت له بركة اللي جيت يا ابني، وكانت دي آخر كلمة قالتها ستك الحاجة، وماتت ورأسها ناحية القبلة، ونور النبي من حواليها صلاة النبي أحسن.»

كنت أسمع إلى صوت عمتي فاطمة وأتلفت حولي في بيت ستي الحاجة، كأنما روحها لا تزال تعيش، أراها واقفة عند الباب تحوم حول الفرن، أو جالسة منتصبة فوق عتبة الباب، أو فوق الحصيرة في الليل تطرد بذراعيها عزرائيل ثم تخفي فمها بطرف الطرحة السوداء، وتضحك حتى تدمع عيناها بالضحك وتهمس: «اللهم اجعله خير يا رب.»

Halaman tidak diketahui