فتساءل أدهم وكان قد وصل ومضى يدخل العربة إلى الفناء: هل تشاجرتما؟ - أبدا. - أظنك كنت السبب في ذهابه، ولكن أين هو؟
خرجت أميمة إلى الفناء، على حين أغلق قدري باب الحظيرة، وراح يغسل وجهه ويديه من ماء طشت تحت الزير. لا بد من مواجهة الموقف. الدنيا تغيرت ولكن اليأس قوة. وانضم إلى والديه في الظلام، وهو يجفف وجهه بطرف جلبابه. وتساءلت أميمة: أين ذهب همام؟ لم يغب كهذه المرة من قبل.
فوافقها أدهم قائلا: نعم، خبرنا كيف ولماذا ذهب؟
وارتعد قلب قدري لصورة خطرت برأسه، لكنه قال: كنت جالسا في ظل الصخرة، فلاحت مني التفاتة فرأيته يبتعد صوب حينا، وهممت أن أناديه ولكني لم أفعل.
فقالت أميمة في حسرة: ليتك ناديته ولم تستسلم لزعلك.
ونظر أدهم حائرا في الظلام حوله، فرأى ضوءا خافتا خلال كوة في كوخ إدريس دلت على أن الحياة دبت فيه من جديد، ولكنه لم يأبه لذلك، وثبت بصره على البيت الكبير وتساءل: أتراه ذهب إلى جده؟
فقالت أميمة بإنكار: لا يفعل ذلك دون إخبارنا.
فقال قدري بصوت شاحب: لعل الحياء منعه!
فسدد أدهم نحوه نظرة ارتياب منقبض الصدر؛ لخلو صوته من السخرية والعدوان وقال: دفعناه إلى الذهاب فأبى.
فقال قدري في إعياء: تحرج من القبول أمامنا! - ليس هذا من خلقه، وأنت ما لك كالمريض؟!
Halaman tidak diketahui