فصمتت مليا، ثم قالت همسا: إني أفكر في مصير الشيء الذي في بطني. - ولا شغل لي إلا هذا على رغم أني لم أعد إلا حيوانا قذرا.
فتمتمت بحزن: والله إنك خير الرجال جميعا.
فضحك أدهم ساخرا وقال: لم أعد إنسانا، فالحيوان وحده هو الذي لا يهمه إلا الغذاء. - لا تحزن، كم من رجل بدأ مثلك، ثم تيسر له العيش الرغيد، فملك الدكاكين والبيوت! - أراهن على أن أوجاع الحبل قد بلغت رأسك!
فقالت بإصرار: ستكون رجلا ذا شأن، وسينشأ وليدنا في أحضان النعيم.
فضرب أدهم كفا بكف وتساءل ساخرا: أأبلغ ذلك بالبوظة أم بالحشيش؟ - بالعمل يا أدهم.
فقال في سخط: العمل من أجل القوت لعنة اللعنات، كنت في الحديقة أعيش، لا عمل لي إلا أن أنظر إلى السماء أو أنفخ في الناي، أما اليوم فلست إلا حيوانا، أدفع العربة أمامي ليل نهار في سبيل شيء حقير نأكله مساء ليلفظه جسمي صباحا، العمل من أجل القوت لعنة اللعنات، الحياة الحقة في البيت الكبير، حيث لا عمل للقوت، وحيث المرح والجمال والغناء.
وإذا بصوت إدريس يقول: نطقت بالحق يا أدهم، العمل لعنة، وهو ذل لم نعتده، ألم أعرض عليك الانضمام إلي؟!
التفت أدهم نحو الصوت فرأى شبح إدريس واقفا على قرب منه. هكذا يتسلل في الظلام دون أن يشعر به فينصت إلى الحديث ما شاء له الإنصات، ويشترك فيه إذا حلا له ذلك. ووقف أدهم منفعلا وهو يقول: عد إلى كوخك.
فقال إدريس بلهجة جدية مفتعلة: إني مثلك أقول: إن العمل لعنة لا تليق بكرامة الإنسان. - إنك تدعوني إلى البلطجة وهي أقذر من اللعنة. - إذا كان العمل لعنة والبلطجة قذارة، فكيف يعيش الإنسان؟
فلم يرتح إلى محادثته فصمت، وانتظر إدريس أن يتكلم فلم يتكلم، فقال: لعلك تريد رزقا بلا عمل؟ ولكن ذلك سيكون حتما على حساب الآخرين!
Halaman tidak diketahui