فبدا كالمتردد قليلا، ثم قال: لا أدري! كلا فليس هذا ما ينبغي أن يقال، إني أدري كل شيء، ولكن .. الحق إني أخشى أن تكون أيام الراحة قد ولت.
وبكت إحسان فجأة، فألقمتها ثديها في عجلة، ثم نظرت إليه مستطلعة في قلق، وتساءلت: لماذا؟
تنهد، وأشار إلى صدره قائلا: لدي هنا سر كبير، أكبر من أن أحمله وحدي!
فازدادت المرأة قلقا وقالت بلهفة: خبرني عنه يا قاسم.
اعتدل في جلسته قليلا، وعكست عيناه جدا وتصميما وقال: سأبوح به لأول مرة. أنت أول شخص يسمعه، لكن ينبغي أن تصدقيني، فما أقول إلا الحق. ليلة أمس حدث شيء عجيب، هنالك تحت صخرة هند، وأنا وحدي في الليل والخلاء.
وازدرد ريقه وهي تستحثه بنظرة حارة، ثم قال: كنت جالسا أتابع سير الهلال الذي سرعان ما وارته السحب، وساد الظلام حتى فكرت في القيام، وإذا بصوت قريب يقول بغتة: «مساء الخير يا قاسم.» فارتعدت من وقع المفاجأة التي لم يسبقها صوت أو حركة. ورفعت رأسي فرأيت شبح رجل واقفا على بعد خطوة من مجلسي، لم أتبين وجهه ولكني ميزت لاسته البيضاء والعباءة التي يتلفع بها، وقلت له وأنا أداري غيظي: «مساء الخير! من أنت؟» فأجابني، ولكن بم تظنينه أجاب؟
فحركت قمر رأسها في جزع وقالت: تكلم فلم يعد لي صبر! - قال لي: «أنا قنديل!» فعجبت لشأنه وقلت له: «لا تؤاخذني فأنا ...» فقاطعني قائلا: «أنا قنديل خادم الجبلاوي!»
وهتفت المرأة: ماذا قال الرجل؟! - قال أنا قنديل خادم الجبلاوي.
وكان الثدي قد أفلت من ثغر إحسان في أثناء اضطراب الأم فتقلص وجهها إيذانا بالبكاء ولكن المرأة أعادته إليها، ثم قالت بوجه شاحب: قنديل خادم الواقف؟! لا يدري أحد عن خدم الواقف شيئا. حضرة الناظر هو الذي يتولى بنفسه إعداد لوازم البيت الكبير، ثم يحملها خدمه إلى البيت الكبير ليتسلمها بعض خدم الواقف في الحديقة. - نعم، هذا ما تعرفه حارتنا، لكنه قال لي ذلك! - وهل صدقته؟ - وقفت من فوري، تأدبا من ناحية واستعدادا للدفاع عن نفسي إن لزم الأمر من ناحية أخرى، وقلت له متسائلا: من أدراني أنك صادق فيما تقول؟ فقال لي بهدوء مطمئن: «اتبعني إذا شئت حتى تراني وأنا أدخل البيت الكبير.» فاطمأن قلبي، وقلت لنفسي فلأصدقه حتى يتبين لي أمره، ولم أخف عنه فرحي بلقياه، وسألته عن جدنا، كيف حاله؟ وماذا يفعل؟
فقاطعه صوت قمر قائلا في ذهول: كل ذلك دار بينك وبينه؟! - نعم، بالله أنصتي، قال لي: إن جدنا بخير. ولم يزد على ذلك شيئا. فسألته: هل يدري بما يجري في حارتنا؟ فأجاب بأنه يعلم كل شيء، وبأن المقيم في البيت الكبير يستطيع أن يطلع على كل صغيرة وكبيرة مما يقع في حارتنا، وأنه لذلك أرسله إلي. - إليك أنت؟!
Halaman tidak diketahui