Anak-Anak Kampung Kami

Najib Mahfuz d. 1427 AH
198

Anak-Anak Kampung Kami

أولاد حارتنا

Genre-genre

وفي صباح اليوم التالي وجدت جثة ياسمينة ملقاة أمام بيت بيومي. وانتشر الخبر كغبار الخماسين فجرى الناس نساء ورجالا نحو بيت الفتوة. وارتفعت الضوضاء، واختلطت التعليقات، ودارى الجميع مشاعرهم الحقيقية. وفتح باب بيت بيومي، واندفع منه الرجل كالثور الهائج، وراح يضرب بنبوته كل من يصادفه فركض الجميع في فزع، ولاذوا بالدور والمقاهي، ووقف الرجل في الحارة الخالية يسب ويلعن ويهدد ويتوعد، ويضرب الهواء والجدران وأديم الأرض.

وفي اليوم نفسه هجر عم شافعي وزوجته الحارة، وبدا أن أي أثر لرفاعة قد اختفى.

ولكن ثمة أشياء كانت تذكر به على الدوام، كبيت عم شافعي بربع النصر ودكان النجارة ومسكن رفاعة في الحي الذي أطلقوا عليه دار الشفاء، ومصرعه غربي صخرة هند، وفوق كل أولئك أصحابه المخلصون الذين واصلوا اتصالاتهم بمحبيه، ولقنوهم أسرار علمه بتخليص الأنفس من العفاريت ليزاولوها في مداواة المرضى، اقتنعوا أنهم بذلك يعيدون رفاعة إلى الحياة. أما علي فلم يكن ليهدأ له بال حتى يقضي على المجرمين. وقد قال له حسين معاتبا: إنك لست من رفاعة في شيء!

فقال علي بقوة: إني أعرف رفاعة أكثر مما تعرفونه، قضى حياته القصيرة في قتال عنيف مع العفاريت.

فقال كريم: إنك تريد العودة إلى الفتونة وما كان أبغضها إليه.

فهتف علي بحماس: كان فتوة ولا كل الفتوات ولكن خدعتكم رقته.

وتوثب كل فريق للعمل على رأيه بإيمان صادق. وتناقلت الحارة قصة رفاعة على حقيقتها التي كان الأكثرون يجهلونها، وتنوقل أيضا أن جثته ظلت ملقاة في الخلاء حتى حملها الجبلاوي بنفسه فواراها التراب في حديقته الغناء. وكادت الأحداث الخطيرة تتلاشى عند ذلك لولا أن اختفى الفتوة حندوسة اختفاء مريبا. وإذا بجثته تكتشف ذات صباح ملقاة مشوهة أمام بيت الناظر إيهاب. وتزلزل بيت الناظر كما تزلزل بيت بيومي. ومرت بالحارة فترة رهيبة من الرعب. انصب الاعتداء كالمطر على كل من له صلة أو شبهة صلة برفاعة أو بأحد من رجاله. انهالت النبابيت على الرءوس، وهرست الأقدام البطون، وحفرت اللكمات الصدور، وألهبت الأيدي الأقفية، حتى حبس نفسه في الدور من حبس، وهجر الحارة من هجر، وقتل في الخلاء من استهان بالخطر، فضجت الحارة بالصوات والعويل، وغشيها السواد والظلام، وفاحت منها رائحة الدم.

ومن عجب أن ذلك كله لم يقض على عمل العاملين؛ فقد قتل الفتوة خالد وهو خارج من بيت بيومي قبيل الفجر. واشتد خطر الإرهاب حتى بلغ الجنون. لكن حارتنا استيقظت في الهزيع الأخير من الليل على حريق هائل التهم بيت الفتوة جابر وأهلك أسرته. وصاح بيومي: إن مجانين رفاعة منتشرون كالبق، والله ليقتلن ولو في بيوتهم!

ذاع في الحارة أن البيوت ستهاجم بليل فركب الفزع الناس حتى جنوا. وخرجوا من الربوع في ثورة هوجاء يحملون العصي والمقاعد وأغطية الحلل والسكاكين والقباقيب والطوب. وصمم بيومي على أن يضرب قبل أن يستفحل الأمر فرفع نبوته وخرج من بيته في هالة من الأعوان.

وظهر علي لأول مرة ومعه رجال أشداء على رأس الثائرين. وما إن رأى بيومي قادما حتى أمر بقذف الطوب فأرسل الهائجون أسراب الطوب كالجراد فانصبت على بيومي ورجاله وتفجرت الدماء. وهجم بيومي بجنون وهو يصرخ كالوحش ولكن حجرا أصاب أعلى رأسه فتوقف على رغم الغضب ورغم القوة ورغم الفتونة، ثم ترنح وسقط مقنعا بدمه؛ وسرعان ما فر الأعوان، واكتسحت أمواج الغاضبين بيت الفتوة حتى ترامت أصوات الكسر والتحطيم إلى مثوى الناظر في بيته. واستطار الشر، وانقض العقاب على من بقي من الفتوات وأعوانهم، وخربت بيوتهم، واستفحل الخطر، وأوشك أن يفلت الزمام. عند ذاك أرسل الناظر في طلب علي فذهب علي لمقابلته. وكف رجال علي عن الانتقام والتخريب انتظارا لما تسفر عنه المقابلة فهدأت الأحوال وسكنت الخواطر.

Halaman tidak diketahui