فلاح الاستنكار في الوجوه وقال صوت: لذلك فهي تقيم في بيته بعد أن هجرته زوجته.
وانتشر الخبر في حي آل جبل، فجاء خنفس إلى بيت شافعي وصاح به: أجننت يا رجل؟ ماذا قلت عني؟
فوقف شافعي أمامه دون مبالاة وقال بشدة: إنك اشتركت في قتله وأنت فتوته وحاميه!
فتظاهر خنفس بالغضب وصاح: أنت مجنون يا شافعي، لا تدري عما تقول شيئا، ولن أبقى حتى لا أضطر إلى تأديبك.
وغادر الربع وهو يرغي ويزبد. وانتقل الخبر إلى حي رفاعة الذي أقام فيه عقب مغادرته لحي آل جبل فذهل الناس له، وارتفعت الأصوات بالسخط والبكاء، ولكن الفتوات خرجوا إلى الحارة يقطعونها ذهابا وإيابا، النبابيت في أيديهم والشر يتقد في نظراتهم. ثم سرى نبأ يقول: إن الرمال غربي صخرة هند وجدت ملطخة بدم رفاعة. وذهب عم شافعي وخاصة أصحابه للبحث عن الجثة هنالك، ففتشوا وحفروا ولكنهم لم يعثروا على شيء. ولغط الناس بالخبر وتبلبلت الأفكار وتوقع كثيرون أن تحدث في الحارة أمور. وراح الناس في حي رفاعة يتساءلون: ماذا فعل رفاعة حتى يقضى عليه بالقتل؟ وقال آل جبل: رفاعة قتل وياسمينة مقيمة في بيت بيومي. وتسلل الفتوات بليل إلى المكان الذي قتل فيه رفاعة، وحفروا مدفنه على ضوء مشعل، ولكنهم لم يعثروا للجثة على أثر. وتساءل بيومي: هل أخذها شافعي؟
ولكن خنفس أجابه: كلا، لم يعثر على شيء كما أخبرتني العيون.
فضرب بيومي الأرض بقدمه وصاح: إنهم أصحابه، لقد أخطأنا بتركهم يفلتون، وها هم أولاء يحاربوننا من وراء وراء.
وعند عودتهم مال خنفس على أذن بيومي وهمس قائلا: إن احتفاظ المعلم بياسمينة لمما يسبب لنا المتاعب.
فقال بيومي ساخطا: بل اعترف أنك فتوة ضعيف في حيك!
وودعه خنفس ساخطا. واشتد التوتر بحيي جبل ورفاعة، وتكرر اعتداء الفتوات على الساخطين. وساد الإرهاب في الحارة حتى كره أهلها الخروج إليها إلا لضرورة. وفي ليلة من الليالي - وكان بيومي في قهوة شلضم - تسلل أهل زوجته إلى بيته بقصد الاعتداء على ياسمينة، فشعرت بهم، وفرت بجلبابها إلى الخلاء وهم يطاردونها. وظلت تعدو في الظلام كالمجنونة، حتى بعد أن كف المطاردون عن مطاردتها. وظلت تعدو حتى أوشكت أنفاسها أن تنقطع فاضطرت إلى التوقف وهي تلهث بعنف وقد طرحت رأسها إلى الوراء وأغمضت عينيها. ولبثت كذلك حتى استردت أنفاسها. ونظرت وراءها فلم تر شيئا، ولكنها جفلت من فكرة العودة إلى الحارة ليلا. ونظرت أمامها فرأت عن بعد نورا ضئيلا لعله ينبعث من كوخ فسارت نحوه آملة أن تجد عنده مأوى يؤويها حتى الصباح. وطال بها المسير قبل أن تبلغه. وكان كما ظنت كوخا، فاقتربت من بابه وهي تنادي أهله. وبغتة وجدت نفسها أمام أصدقاء زوجها الحميمين: علي وزكي وحسين وكريم.
Halaman tidak diketahui