فلطمه بيده الأخرى على وجهه فسقط على الأرض، ولكن سرعان ما وثب قائما وركض في رعب نحو سطح الربع الملاصق. وفجأة جرى وراءه حسين وزكي. وانقض حندوسة على علي فركله في بطنه فتهاوى على الأرض وهو يئن من أعماقه. وفي الوقت ذاته هم جابر وخالد باللحاق بالهاربين ولكن بيومي قال باستهانة: لا خوف من هؤلاء فلن ينبس أحدهم بكلمة وإلا هلك.
وقال رفاعة وقد انحنى رأسه نحو قبضة بيومي لشدة ضغطها: لم يفعلوا شيئا يستحق العقاب.
فهوى بيومي بكفه على وجهه وهو يقول متهكما: خبرني ألم يسمعوا الجبلاوي كما سمعته؟
ثم دفعه أمامه وهو يقول: سر أمامي ولا تفتح فاك.
سار مستسلما للمقادير. هبط السلم المظلم محاذرا ووقع الأقدام الثقيلة يتبعه. وغشيه الظلام والحيرة والشر الذي يتهدده فلم يكد يفكر فيمن هرب ولا فيمن خان. وران عليه حزن شامل عميق فغطى حتى على مخاوفه. وخيل إليه أن ذلك الظلام سيمسي صفة الدنيا الملازمة. وانتهوا إلى الحارة فقطعوا الحي الذي لم يبق فيه مريض بفضله وتقدمهم حندوسة نحو حي آل جبل فمروا تحت ربع النصر المغلق حتى خيل إليه أنه يسمع تردد أنفاس والديه. وساءل نفسه لحظة عنهما، فخيل إليه أنه يسمع نحيب عبدة في الليل الصامت، ولكن سرعان ما استرده الظلام والحيرة والشر الذي يتهدده. وبدا حي آل جبل هياكل أشباح عمالقة غارقة في الظلام، ما أشد الظلام وما أعمق النوم! أما وقع أقدام الجلادين في الظلمة الحالكة وأطيط نعالهم فكأنه ضحكات شياطين تعبث في الليل. ومضى حندوسة نحو الخلاء بحذاء سور البيت الكبير فرفع رفاعة عينيه إلى البيت لكنه رآه مظلما كالسماء. ولاح شبح في نهاية السور فتساءل حندوسة: المعلم خنفس؟
فأجابه الرجل: نعم.
وانضم إلى الرجال دون كلام. وظلت عينا رفاعة مرفوعتين نحو البيت. ترى هل يدري جده بحاله؟ إن كلمة منه تستطيع أن تنقذه من مخالب هؤلاء الجبارين وترد عنه كيدهم، إنه قادر على أن يسمعهم صوته كما أسمعه إياه في هذا المكان. وجبل وجد نفسه في مأزق مثل مأزقه ثم نجا وانتصر. لكنه جاوز السور دون أن يسمع شيئا سوى وقع أقدام الجبارين وتردد أنفاسهم. وأوغلوا في الخلاء فثقلت خطواتهم فوق الرمال. وشعر رفاعة بالغربة في الخلاء وذكر أن المرأة خانته وأن الأصحاب لاذوا بالفرار. أراد أن يلتفت إلى الوراء صوب البيت ولكن يد بيومي دفعته في ظهره بغتة فسقط على وجهه. ورفع بيومي نبوته وهتف: معلم خنفس؟
فرفع الرجل نبوته قائلا: معك إلى النهاية يا معلم.
وتساءل رفاعة في يأس: لماذا تبغون قتلي؟
فهوى بيومي بنبوته على رأسه بشدة فصرخ رفاعة صرخة عالية وهتف من أعماقه: «يا جبلاوي»!
Halaman tidak diketahui