ونظرت ياسمينة نحوه في رثاء. وقالت لنفسها: إن من الظلم قتله. وتمنت لو كان فيه جانب واحد يستحق العقاب. وذكرت أنه الوحيد في هذه الدنيا الذي أحسن إليها وأن جزاءه على ذلك سيكون القتل. ولعنت في سرها هذه الأفكار وقالت: ليفعل الخير من يجد في حياته الخير. ولما رأته يبادلها النظر قالت كالمشفقة: حياتك أغلى من حارتنا اللعينة.
فقال رفاعة باسما: هذا ما يقوله لسانك غير أني أقرأ الحزن في عينيك!
وارتعدت. وقالت لنفسها: يا ويلي لو كانت قدرته على قراءة العين كقدرته على إخراج العفاريت. وقالت له: ليس ما بي حزنا ولكنه الخوف عليك!
وقام كريم وهو يقول: سأعد العشاء.
ورجع حاملا الطبلية فدعاهم إلى الجلوس فجلسوا حولها. وكان العشاء مكونا من الخبز والجبن والمش والخيار والفجل، وثمة إبريق من البوظة. وملأ كريم الأكواب وهو يقول: ليلتنا تحتاج إلى التدفئة والتشجيع.
وشربوا، ثم قال رفاعة باسما: الخمر توقظ العفاريت ولكنها تنعش من تخلص من عفريته. ونظر نحو ياسمينة إلى جانبه فأدركت مغزى نظرته وقالت: ستخلصني من عفريتي غدا إن مد الله في العمر.
فتهلل وجه رفاعة سرورا، وتبادل الأصدقاء التهاني، ومضوا يتناولون العشاء. قطعت الأرغفة، وتلاقت الأيدي فوق الأطباق، وبدوا وكأنهم تناسوا الموت المحيط بهم، وإذا برفاعة يقول: أراد صاحب الوقف لأبنائه أن يكونوا مثله، ولكنهم أبوا إلا أن يكونوا مثل العفاريت. إنهم أغبياء، وهو لا يحب الغباء كما قال لي.
فهز كريم رأسه أسفا، وبلع لقمته ثم قال: لو كان على شيء من قوته الأولى لسارت الأمور كما يشاء.
فقال علي حانقا: لو .. لو .. لو، ماذا أفدنا من لو! علينا أن نعمل.
فقال رفاعة بقوة: ما قصرنا قط، حاربنا العفاريت دون هوادة، وكلما ترك عفريت فراغا ملأه الحب، وليس وراء ذلك من غاية.
Halaman tidak diketahui