فضحك البلقيطي وتساءل: ماذا كنت تعمل في الحارة؟
فتردد قليلا ثم قال: كنت أعمل في إدارة الوقف. - يا خبر أسود! وكيف تهجر هذا النعيم؟ - حظي! - هل طمعت عيناك في إحدى الهوانم؟ - اتق الله يا شيخ. - إنك شديد الحذر، ولكنك ستأنس إلي سريعا وتفضي لي بكل أسرارك. - إن شاء الله. - معك نقود؟
فعاوده القلق ولكنه لم يكشف عنه وقال ببراءة: عندي قليل منها لن يغني عن السعي.
فقال البلقيطي وهو يرمش: أنت ذكي كالعفاريت، ألا تدرك أنك تصلح حاويا؟ لعلنا نتعاون معا، لا تدهش لقولي، فإني عجوز في حاجة إلى المعين.
لم يأخذ قوله مأخذ الجد ولكنه كان مدفوعا برغبة عميقة إلى توثيق صلته به، وهم بأن يتكلم ولكن الآخر بادره قائلا: سنفكر في ذلك على مهل، أما الآن ...
ونهض الرجل، ومال فوق الموقد فرفعه، ومضى به خارجا كأنما ليشعله. •••
وقبيل العصر خرج الرجلان معا، فمضى البلقيطي إلى تجواله، وقصد جبل السوق للفرجة والتسوق. وعاد مع المساء إلى الخلاء فاهتدى إلى البيت المنعزل على بصيص نور ينبعث من نافذة. ولما بلغ البيت ترامت إلى أذنيه أصوات محتدمة في نقاش فلم يملك إلا أن يصغي. سمع سيدة تقول: إن صح ما تقول يا أبي فإن وراءه جريمة ونحن لا قبل لنا بفتوات الحارة.
فقالت شفيقة: لا يبدو أنه مجرم!
فقال البلقيطي بسخرية واضحة: وهل عرفته لهذا الحد يا بنت الأفاعي؟
فقالت سيدة: لماذا يهرب من النعيم؟
Halaman tidak diketahui